قال حنبلي: الخل، إذا لاقى الخمر، نجس. فإذا زالت الخمرية، بقي نجاسة الخل.
قال له حنبلي آخر مقررًا لمذهب أبي حنيفة: معلوم أن الخل، إذا نجس بالملاقاة، كان ذلك. وعندك أن الخل قد يدفع النجاسة، حال الكثرة، عن نفسه. فكان، من قود قولك، أنه إذا لاقت قلتان من الخل الخمر، أن لا ينجس؛ فإذا زالت الشدة به بقي خلًا، لا علة لنجاسته؛ فكان على أصل طهارته؛ والخمر زالت علة نجاسته، وهي الشدة.
وإنما يقول هذا من يجعل الخل ينجس بنفس الملاقاة. فلا يكون زوال الشدة مانعًا من بقاء الخل نجسًا. كما إذا نجس بملاقاة عظم الخنزير، ثم أزيل عنه، فإنه ليبقى نجسًا وإن زال ملاقيه. كذلك أكثر ما في زوال الشدة زوال علة نجاسة الملاقي. والملاقاة قد سبقت؛ فيجوز أن تتخلف النجاسة في الخل، وإن زالت علة نجاسة الملاقي؛ كما تتخلف نجاسته مع زال عظم الخنزير. فأما وأنت تقول على الرواية التي يدفع الخل النجاسة بكثرته، فينبغي أن لا تتخلف نجاسة في الخل؛ لأنه لم يوجد أكثر من الملاقاة. وإلا فالشدة ما حصلت فيه ولا انتقلت إليه، بل زالت عنه وعن الخمر الملاقية له. فعاد الخمر إلى طهارة أصله،