فما قصرت المصائب في الدنيا عن مقابلته سقط بالعفو الذي ضمنه - سبحانه-. فهذه الآية تهون مصائب الدنيا عند العقلاء.
٥٦٠ - فصل
ما دخلت البدع على الأديان إلا من طريق سلكه عوام الأديان، فهلكوا. ((والواجب على من خبره أن يعدل عن سلوكه، ليسلم مما وقع فيه من اغتر به فسلكه. وذلك الطريق هو تعظيم الرجال وترك الأدلة، وهو التقليد. فأول من سلكه الشيطان؛ حيث نظر إلى نفسه بنوع من أنواع التعظيم لها، وترك النظر إلى الدلالة القاطعة. فالله - سبحانه- يقول:{اسجدوا لآدم}. وقد سبق في علمه بنظره واستدلاله على أن هذا القائل هو الإله القديم الحكيم المبدئ لخلقه من أنواع شتى. وهو الأعلم بمقادير العباد التي ابتدع خلقه منها، النار والطين والهواء والنور والماء. ولو لم تسبق له المعرفة بأن الآمر له على هذه الصفة، وأنه الإله القديم الحكيم العالم بمقادير ما خلق، ومراتب ما خلق منه، لما رسخ بالمجادلة في فرع وما ثبت عنده أصله. فلو لم يثبت عنده الأصل لا مادة الخلق لقال أولًا: ((ومتى ثبت عندي أنك - أيها القائل (اسجدوا) - آمر، [فأنا] تحت طاعة أمرك.)) لأن الشكوك في الأصول تمنع الرد بالفروع. ومعلوم أن العلماء كلهم من أهل الأديان لا يشكون أن إبليس لم يشاهد الآمر له. ولا سبقت له مشاهدة. ولا له في ذات الله - سبحانه- علامة. فبطل أن يكون عرفه بالمشاهدة. وأكثر العلماء