لو عرفت قبل الأعمال، سهلت عليك؛ لكنك لم تتقن المعارف، فثقلت عليك التكاليف. وما استعمل قط إلا المعارف. فينبغي لك أن تتقن عرفان المكلف، وتنظر كيف التكليف على أركانك، ثقيلًا أم خفيفًا. إذا فتحت عينيك ونظرت، ثم أمعنت فكرك، فخبرت حال هذا الدائر المرصع، وتصاريف هذا الكون المجنس المنوع، وتقلب هذا المبدد المجمع، وشهدت بعقلك ما وراء من المؤثر العظيم الذي خلق أبدع، فبصر وأسمع؛ ثم تنظر في حال السفير الذي أبهرت العقول معجزاته: إن انتقل عن الخطبة على جذع حن إليه، وإن تناول حصيات سبحن في يديه، وإن أشار إلى القمر انشق، وإن ترك يده في إناء فار بالماء وجاش، وإن استدعى شجرة أسرعت، وإن كلم ظبيًا أجاب، وإن استدعى ببعير سجد، وإن برك يده على صدر ضال اهتدى، وان تفل على ملدوغ برئ، وإن أشار إلى جو قد أجدب والتهب عاد بالغمام محتجبًا وبالغيث هاطلًا ساكبًا؛ ومن طوعت له الأشياء كذا، وجبت طاعته على سائر الورى؛ فإذا خبرت ونظرت إلى المعنى الذي إليه يشير، وعرفت مقدار الداعي إليه سح والسفير، تذللت لك نفسك بطاعته فيما إليه دعاك، ولم تعبد بعد الهدى والإيمان هواك. فهنالك- والله- هان عليك ما بذلت، وعظم عندك قدر من أطعت، وإليه بطاعتك تقربت.