قال شافعي: لبن يجوز شربه، فجاز بيعه؛ كلبن الأنعام.
قال له حنفي: جواز شربه واقف على حال هي كالضرورة إليه. فمن ذلك أن الجنين يعيش ويتغذى برطوبات من الأم مخصوصة. فإذا كان في حال خروجه لطيف الخلق، محتاجاً إلى غذاء لطيف، لينبني أوائل حال خروجه ولطافة مزاجه على أواخر أحوال كمونه، فيتصل الغذاء الألطف بالألطف. وذلك مقصود كبير في الشرع؛ ولأجله منع الأب من منع الأم من أجرة الرضاع اكتفاءً بلبن شاة، وإن كان لبن الشاة يقوم به ويغذيه؛ لكن لما لم يكن حافظاً للقانون، ولا حافظاً للطباع والأخلاق، لم يجز. ولا يحل للأم ترك إرضاع الولد اعتماداً على لبن الشاة؛ بل يأثم الأب بترك التعويض للأم، أو لظئر ترضع، والإقتناع بلبن الشاة. فإذا كان كذلك، صارت الألبان، ما عدا لبن الآدميات، كالمتعدية حكماً. فأباحت ألبان الآدميات بهذه الشريطة. فصارت كالميتة التي لا تباح إلا بعدم المغذيات حساً.
قال حنبلي يساعد الشافعي على الحنفي: إن غاية ما بان في لبن الآدميات أنه غذاء القبيل من الآدميين، بل لحالة من أحوالهم. فهو كالأدوية التي تصلح لحال أمراضهم، وتكون في حالة الصحة سموماً قاتلة؛