اعلم أنه لا تكتما العبودية فيك إلا بما كملت به الربوبية فيه سح. وكمال الإلهية أنه عظيم، مستوجب التعظيم. وعلى تعظيمه يدور التكليف. يطاع أمره، فلا يعصى؛ ويذكر إنعامه، فلا ينسى؛ ويسلم حكمه، فلا يعترض بـ ((لم)) قولًا ولا إضمارًا. مطلق بكل معنى؛ لا لكونه قاهرًا فقط، بللأنه حكيم غير مختل الصنع. فكما أن الأركان كلها خلقه يجب أن يتعبد له بالسجود تارة إذا أمر، وبالركوع أخرى، والانتصاب أخرى، وبالكف عن الشهوات، ويتناول في بعض الأوقات. كذلك العقل خلقه يقضي لأفعاله وأحكامه، ولا يقضي عليها بالتحكم الخارج عن التسليم. إن جمع، فحكمة ورحمة؛ وإن فرق، فحكمة وقدرة. فكما أن قدرته لا تقوى بالمدافعة، حكمته لا تقاوى بالمعارضة. كل شيء خلقه تحت تدبير العقل. والعقل تحت تدبير الرب. فإن أذعن العقل بالربوبية له، فينبغي له أن يذعن بالتسليم. لأن مربوبًا لا يرب، كما أن الرب لا يرب.
يا ناقصًا في التكليف بكل معنى! يا مفلسًا من العبودية بكل حقيقة! أنت عبد من طريق الخلق قهرًا؛ هل كنت عبدًا من طريق التخليق طوعًا؟ ما أشد طاعتك للهوى مع كثرة جناياته عليك! وما أشد تجنيك على الخالق مع كثرة إتقاناته فيك! هل أجارك الهوى قط من ورطة؟