قال له حنبلي: هذا باطل بالمعجزات نفسها. فإنها كثرت بكثرة الأنبياء- صلوات الله عليهم. ثم لم تصر عادات، بل كانت مع كثرتها قبيلًا خارقًا ونمطًا خارجًا عن العادات.
قال له المتكلم الأول: هذا القبيل، وهو المعجز، لا يجئ إلا بالتحدي؛ والكرامة تجئ من غير تحد. فإذا كثرت، صارت عادة مستقرة؛ فتطعن في المعجزات، إذ تصير صادرة عن وجود مستمر، لا تخرج عن كونها عادة بذلك الاستمرار.
ووجدت لبعض من جحد الكرامات أنها متى وجدت أفسدت اعتقاد المكرم وغيره. فإنه يزول تعظيم المعجزات من النفوس، لأنها تصير مألوفة. ومتى صارت مألوفة، خرجت عن الدهش بها والتعظيم لها.
٣٤٩ - قال حنبلي: كل ما يرد من وراء القدر والعادات فهو منبه على الله - سبحانه وتعالى- وألطافه. ولقد روي أن البقر، حيث أجدبت أرض بيت المقدس، خارت نحو السماء. فأنبع الله لها العين المعروفة بعين البقر. وروي فيما صحت به الرواية أن سليمان - عليه السلام- خرج للاستسقاء. فوجد نملة رافعة قوائمها نحو السماء، وهي تقول: اللهم! إنا خلقك، ليس بنا غناء عن رزقك؛ فاسقنا. فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم. فإذا كان الله - سبحانه وتعالى- يأتي بالألطاف بطلب البهائم، فلا يحسن إنكار ألطافه بالخواص من عباده،