قال بعض الحنابلة المحققين: أنا أرى أن أكبر الكبائر، بعد الكفر بالله، السكر. قال له جماعة عجبوا من كلامه: نسمع منك غرائب. قال: أنتم الغرباء عن الفهم. ليس كلامي غريبًا. ولئن كان غريبًا، عرفه الدليل والبرهان. وما زال الحق غريبًا بين المبطلين، والعلم غريبًا بين الجهال. فاسمعوا برهان ما أقول.
إن السكر يعمل عمل الجنون فيما يضر. وهو يغطي الحق. وعدم العلم الصالح للعاجلة من سياسات الدنيا وذخائر الآخرة. ولا يخفف عن العبد، كما يخفف الجنون من إسقاط الحساب ودخول الجنة مجانًا من غير عمل. فيعدم منافع العقل؛ ولا يقيم العذر في ركوب الجنايات؛ بل يبقى عليه تكليف العقلاء، حيث كان مكسبًا لتغطية العقل، ولو لم يكن من شؤم السكر إلا انقطاع ما بين صاحبه وبين ربه، وعدم معرفته بدينه. فالسكران لا يعرف دينه فيعتذر منه، ولا ربه فيعتذر ويتوب إليه. فهل في المعاصي ما يبلغ بصاحبه هذا المبلغ؟
٧٠٣ - فصل
ثم قال الحنبلي بعد ذلك: المطالب مبثوثة في هذا العالم الواسعة أقطاره. وهي بين ظاهرة مشهورة، وخافية مستورة؛ والدواعي في الطباع