الشيب مرض الموت لولا أنه مألوف؛ وإلا فسل عنه الطب؛ فقل: ما هذا العارض؟ هل هو زائل، أم لا؟ فإذا أجمع الكل على أنه ذبول يتزايد وتحلل يترادف ويتتالى، فاعلم أنه مرض الموت. انظر ما تفعله في مرض الموت. يقول لك الطب: ما لهذا برء ولا شفاء، ولا يرجى له علاج، ولا يوجد له دواء. فافعله إذا ابيضت لحيتك ورأسك. فما بعد بياض اللحية والرأس إلا الانحلال والانعكاس. تأهب للنقلة؛ فقد استقرت العلة. أليس قد جرت عادتكم بتوزيع الأموال وتحسين الأعمال وتأكيد الوصية وتجديد التوبة ومجالسة الأصدقاء والمعاملين، مع تجويز خطأ الطب في القول وذهابهم عن الصواب، لأن العلل مختلفة؟ فهل يختلف إثنان أن المشيب طلائع الموت وعنوان الفوت، وعلة لا تتزايل، ومرض لا يفارق؟ وحياتك إنني لك ناصح، وإني لعيبك كاشف ولك فاضح، لا لأني لك عدو ولا كاشح، ولكن أولمك لأبرئك، وآمرك لأخليك. وحياتك، يا أخي، ما غسلت سيئة بأحسن من دمعة حسرة على فائت من عمرك في غير ما خلقت له. وحقك، أيها الصديق، ما تردد في قلب ولا حاك في خاطر أجل من حزن وأسى على عمر انقضى في سوف ولعل وعسى.