حلاوة الوقوع على المطلب، حتى يرى أيام الطلب أيام عناء وشقاء، فيقول كما قال أهل الجنة:{الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}، أو كما قال أهل الأديان، بعد عبادة الأوثان:{الحمد لله الذي هدانا لهذا} فهذا دأب كل واجد بعد أن كان طالبًا.
فاعترض هذا الحنبلي خاطر كأنه سائل يقول: قد خفي عليك شيء لا ينكره العقل، بل يسنده ويقيم العذر فيه لمن صدر عنه التأسف والتشوق إلى أيام الصبا والغباوة. وذلك لما يدخل على العاقل من ثقل التكليف، حتى قال خواص السلف: ليتني كنت شجرة تعضد! ليتني كنت مثلك يا طائر! ليتني كنت نسيًا منسيًا! وتمنى الجمادية والبهمة أقصى من التأسف على زمان الغباوة والصبوة. أو رأوا أن الأجسام مراكب الأرواح والعقول، فطلبوا ما يقيمها، ولا يقيمها إلا الغفلة، دون الصحو واليقظة، فلذعوا الأجساد بذلك حتى خطب بعضهم الغفلة، لما يعتريهم من انهدام مركب العقل. فالغفلة كالزاد لمراكب العقول، وهي الأجساد، فكان طلبهم لها لأجل العقل أيضًا، وإن دخل عليه نوع ذهول عاجل، لكنه لاستدامة الأجل. فتصير الغفلات كالأغذية المبقية لمحل العقل، وهي الأجساد.
٦٦١ - قال أبو العيناء لعبد الله بن سليمان: أيها الوزير! نحن في أيام عزلك مرحومين، وفي أيام ولايتك محرومين.