استدل حنبلي في مسألة الخلطة، فقال: قلة المؤونة مؤثرة في الإيجاب؛ بدليل السوم في الماشية والسيح في الزرع. فإنه لما خفت المؤونة، وجبت الزكاة وكمل العشر. كذلك ههنا تتحقق خفة المؤونة في الأربعين التي له، المختلطة بالأربعين التي لغيره. فيجب أن يكون الواجب نصف شاة.
فأجاب حنبلي معترضًا على دليله بأن خفة المؤونة لا تصلح أن تكون علة لإيجاب الزكاة، ولا سببًا. وإنما الذي يضاف إليه الإيجاب هو الغناء. والغناء هو تملك مال مخصوص جنسًا وقدرًا. ولا يجوز أن يعلق إيجاب الزكاة إلا على الغناء، كما لا يعلق استحقاق أخذ الزكاة إلا بالحاجة. فهذا الغني يجب عليه المؤاساة، لاحتمال ماله لها. وهذا الفقير والمسكين وسائر الأصناف يستحقون، للحاجة إليها. سوى العامل؛ فإنه يأخذها أجرة. إذا ثبتت هذه القاعدة للإيجاب، بقي الآن الارتفاق بقلة المونة، إما بسوم يقطع مونة العلف، أو بسقي سيح يكفي مؤونة النضح. فذلك ربما يصلح أن يكون شرطًا للإيجاب، لا سببًا للإيجاب. وإنما لم تصلح أن تكون علة، لأن الارتفاق بقلة المؤونة، علاوة على الغناء بالمال. لأن الغناء بالمال، الذي هو الأصل، والقدرة على الماساة به، وقلة المؤونة دون رتبة المال الذي قلت مؤونته. فالغناء بالسائمة، لا بالسوم. فتعليق الحكم على الآكد وقعًا في الغناء أولى من تعليقه على تخفيف هو فرع على الغناء.
فإذا ثبتت هذه القاعدة، قلنا: لا نقاضيك إلا أصولك. إذ