وصول بعضهم على بعض بفضي إلى التهارج. وما أقبح بالعاقل أن يحوج إلى تقويم السلطان. لأنه يفضي إلى دوام تأديبه. لأنه حال الطفولة تحت أدب الوالدين مقوم بتقويمهما. وبعد أن شب وترعرع صار تحت حجر المعلم والأستاذ. فإذا كبر وشاب، صار تحت حجر السلطان، لا يستغني عن تقويمه. فمتى يخرج هذا من حجر الرجال؟ ومن كان كذا لا يكون راعيًا لنفسه قط، بل غيره يرعاه. فهذا كالسوائم. فما الذي أفاده العقل؟ وما الذي هذب منه الشرع؟ نعوذ بالله من خذلان يحمل على ترك الانحياش لله، والكون تحت تصريفع وتأديبه، والرضا بالكون تحت حجر المخلوقين والأمثال!
٢٨٢ - ما أعظم تفاوت الأحوال! بعض الحكماء الإلهيين يقولون ((في الحكمة ما يغني عن السفراء.)) فعطلوا الشرائع واقتنعوا بما توديهم إليه العقول وتؤديهم به الألباب والنهي. وبعض الفطناء جعلوا العقول مستبعدة للشرع حاكمة على أمر الدنيا وسياساتها التي لم يوجد فيها نص من شرع. وبعض السفاف عطلوا الشرائع طلبًا للراحة من الحجر والتكلف، وعطلوا العقول. فهم أبدًا في الدنيا بين استطالة الشرعيين عليهم بإقامة الحدود والإهانة بسائر العقوبات، وبين استطالة العقلاء عليهم في تقويمهم عند شطحهم وخروجهم عن سمت سياسات العقل. فهم كالبهائم، إن خليت أكلتها الوحوش، وإن صمدت