فيه، فيخرج على ما به. حتى إذا جمع هؤلاء مجلس ترفع كل واحد بامتلائه بخصيصته فيقع التنافر بينهم.
والمعدل لهذه الأحوال هو العقل الذي يحصل به الإنصاف لمن أنصف، أو المسامحة لمن قصر في الحق وطفف. فالعاقل يزن نفسه بزنتها. فإن اجتمع به منصف رضي بما ظهر من إنصافه، فقد زال الخلاف بينهما. وإن اجتمع به متحيف متعجرف جاهل بمقدار غيره لامتلائه برؤية نفسه، ألان له هذا العاقل جانبه وسامحه، فترك الاقتضاء بحق نفسه، ووفى ذلك الجاهل حقه وزاده ما يرضيه به من الإكرام. فالعقل سكان كل شغب وفساد اعتدال.
ورأى العاقل، إن كان ذا سلطان ويدان، لا يسامح، بخلاف الأمثال ممن لا سلطان له. وإنما فرقت بين السلطان المتسلط وبين المماثل لأن المماثل استحببنا له التواضع والمسامحة، كيلا يقع الخلف وينشأ الشغب والفساد. فأما السلطان، فإنه إذا قوم المتأود، وحقق على المتعجرف، ورد كل إنسان عن استطالته إلى حده ورتبته، أمنت غوائل تحقيقه على رعاياه لقوته وتسلطه. فكما أنه يحقق مقادير الرجال، يقوم من تعدى عند تحقيق هذه الحال، وينتفع بتقويمه جماعة المستطيلين والمستطال عليهم. لأن المستطيل بجهالته لا يخلو من مغالب له ومصاول. وصول السلطان أحب إلينا من صول الرعايا. لأن صول السلطان يمنع المنافرة بين الرعايا.