الناس في مقادير الإكرام من الهشاشة والقيام، إلى ما شاكل ذلك، عند التلاقي. وما ينبوع التنافس في المجالس والتشاجر في المناصب عند الاجتماع. قال عالم: أقول -وبالله التوفيق لإصابة الغرض:
إن الناس متفاوتون في الأقدار بحسب أسباب الأقدار. وكل منهم يرى السبب الذي يمت به بعين التعظيم. كالنسيب يرى نسبه فيرفعه في عين نفسه فيمتلئ به، حتى إنه يرى انحطاط كل من دونه؛ سيما إن أعانه على ذلك توحده بالنسب في محلته أو دربه الذي يسكنه. فيخاطب بالسيد والشريف. ويتقاصر له من دونه في نسبه تقاصرًا يوجبهم انحطاط رتبهم عن نسبه. فيألف الإكرام من أولئك الأقوام. فيخرج إلى من يرى نفسه بنوع آخر من الفضل. كعالم بين جهال يدأب نفسه في العلوم ويجهدها في تخليص الفهوم. فيتقاصر عنه جيرته وأهل محلته وعشيرته تقاصر الجهال للعالم. فيرى لنفسه حقًا على من جهل علمه. وإن كان نسيبًا فيخرج إلى ذلك النسيب. وآخر ينقطع إلى عبادة ربه، ويتصور بإدمان الخلوة أن لا رتبة تستحق الإكرام دون رتبته، ويخل بإدمان آداب المخالطة فيخرج على ما به. وآخر يتميز بنوع حده، وغني بين فقراء ربما واساهم فأكرموه لمواساته أو للطمع فيه، فيضرعون له ضرع الطامعين للمطموع