وموسى قنع به عذرًا لما وقع. فإذا لم يقنع به آحاد أهل وقتنا، كان ذلك تعطيلًا لتعاليل الشرع.
فإذا عاد الواحد بعد هذا الرد للتعليل يقول ((أنا أرجع إلى الرضا والتسليم)) قلنا له: ((إنما يكون هذا منك حسنًا إذا كان اطراحك لكل علة نطق بها مخلوق واستخرجها متكلم. فأما إذا كنت تقول ((أنا لا أرضى بهذا التعليل الذي صرح به الشرع)) وكان عدم رضاك، لأنه عذر غير شاف في العقل، فلا فرق بين قولك هذا لرد تعليل الشرع وبين قولك هذا في أفعاله التي لم يكشف عن التعليل لها. فإما أن تسلم الكل، الأفعال المعللة بعلل الشرع وغير المعللة، وترضي بعلل الشرع وبيان وجه الحكمة التي بينها، وإما أن لا ترضي بالكل، ثم تقول (أنا أسلم). فلا تسليم مع ردك التعليل؛ كما لا تسليم مع ردك للأخبار. لأن الجميع منه سح. فأما أن تقول (أنا أسلم أفعاله، وأرضي بها كيف كانت، ولا أرضي بتعليله)، فلا فرق بين ردك لفعله، أو لمصلحة فعله التي بينها وكشف عنها ورضي بها.))
ومثال أذكره لإبطال هذا المذهب: إن قائلًا لو قال ((أنا أثق إلى حكمة هذا الطبيب، فأي شيء طبني به من دواء أو فصد سلمته لحكمته))، حسن هذا القول منه. فإذا فصده ذلك الطبيب فصدة منكرة، فقال له هذا المسلم ((لم فصدتني هذه الفصدة؟ )) فقال ((لكذا وكذا)) - أمر ذكر به من الأمراض وادعى أنه يصلح له الفصدة المنكرة، فقال المدعي الثقة إلى حكمته ((ما هذا تعليل يرضي ولا يقوم لك به عندي العذر، )) لعد مناقضًا في قوله، حيث ادعى جملة الحكمة والتسليم لها، ثم إنه اعترض