فبينما نحن كذلك إذ دخل الموضع حشوي جاهل. فحكينا له ما جرى بعد أن سأل ((فيم أنتم؟ )) فقال: عندي غير ذلك. فقلنا: أفدنا. فقال: اتركوا الناس مع الله فإنهما جميعًا فضوليان، الذي تهافت والذي تماسك. والله المنعم بما يشاء، المانع ما يشاء، يقضي الآجال وقت ما يشاء. فطلب المفاضلة فيما أدخلا أنفسهما فيه طلب باطل. إذ لا فضل فيما فعلاه جميعًا.
فدهشنا من كلامه. وسكتوا؛ فبادرت أنا لأعلمه مقداره من الحمق، لئلا يظن أنه قال شيئًا، ولئلا يغتر بكلامه بعض الحاضرين ممن يناسب عقله فيوهمه كلامه أنه صالح أن يعد جوابًا ثالثًا: فقلت: يا شيخ! هذا كلام من يسقط الخطاب الشرعي والحكم العقلي، ويرى أن الأمر سدى؛ ولا عقل يرجح به بين فضل الفاضل ونقص الناقص؛ ولا حقيقة يميزها العقل بفضل أو نقص. فما أشبه أن تكون مسفسطًا! وإلا فأين الرأي عن أبي بكر وتركه لنبي الله مع الله، لا يحرسه، ولا يحوطه، ولا يهاجر، ولا يدخل معه الغار، ولا يسد كوة الحريش برجله معه، ولا يذب عنه؟ وأين هذا الرأي عن الأنبياء حيث بلغوا وألحوا، وطالت مدة بلاغهم؟ وأين الله سح عن هذه الحكمة حيث أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وحذر وأنذر، ونهى وأمر، وفضل السابقين بالإنفاق والقتال على الذين لحقوا