على ثابت ولا لابث. في زمان الإنشاء في كل يوم تجدد وصفا، وفي أيام الكبر وعلو السن في كل يوم تهدم ساقا وتحيل نعتا وتغير وصفا. فهذا حكم الصانع الفرد الممد؛ فكيف بالمصنوع المركب المستمد؟
ثم دع الأغيار وتعال إلى نفسك. بينا تجود عليها بدرهمك ودينارك تشهيا وإلذاذا، وتطعمها الشهي، وتسمعها الأصوات والنغم، وتمرحها في سوابغ النعم، حتى تبخل عليها بالحبة وتكسرها بالبخل والشح عن أيسر شهوة. وكأنك بهذه الحال الطارئة غير تلك الأفعال الأولة. ومن كان مع نفسه كذا، أيحسن أن يطالب غيره له بما لا يجده من نفسه ولا ربه ولا أبيه ولا ابنه؟ وأني لك أن تأخذ صفو الناس عفوا عن كدرهم وتقنع منهم بالمجاملة غير مطالب بصدق ودهم، ثم انسب التغيير إليك؟ فإن الملل علة معلومة وطبيعة معروفة. فإذا وجدت نفسك لا تسمح بعد المسامحة، ولا تقنع بالمجاملة بل تقتضي المخالصة، فاعلم أن مللا طرأ. فاستقصيت بعد أن كانت مسامحا في ابتداء ودك. ومن لم يثبت هو مع نفسه على حال، عذر غيره في تقلب الأحوال.
وأول الفوائد لك في هذا قلة المبالاة والمناقشة؛ فإنها تنغص العيش وتمره. واعلم أن العيش كل العيش إدراج المودات درجا، والنغصة كل النغصة البحث والاستقصاء. فما بقى مع الاستقصاء صديق قط.