لأهله والنازلين فيه. وهذا هو الشرف المعتد به عند العرب، الذمام والضيافة. والمعنى الذي انعصم به دم الصيد والمرتد. والواجب إراقته في غير الحرم. فيحفظ بذلك أمنه وتوسعته. وإراقة الدماء المعرف بها احترام، وإجمامه عن قتل الملتجئ احترام أيضًا؛ فجمعنا بينهما. والصيد مذعور مطلوب، تطلبه الملوك بخيلها ورجلها وجوارحها والقانصون تارةً حاجةً وتارةً مرحًا وبطرًا. فإذا صار إلى الحرم، كان ملتجئًا. بخلاف الأنعام التي هي في القبضة بعد الأكل محروس بمالكه فاستغني عن حراسته بأمن الحرم.
قال المالكي: الطالب بالدم مستجير يستحق؛ فهو أحق بإجابته إلى قضاء حقه واستيفائه من ظالم مستجير.
قال الحنبلي: الاستجارة يمكن العمل بها، وهو إيقاع العصمة ما دام في الحرم مراعاة لحرمته؛ كما يراعى حرمة الحمل إلى أن ينفصل من الأم، يراعى حرمة الحرم إلى أن ينفصل هذا القاتل منه. ويقضى حق المستحق للدم إذا خرج. فتحصل قضاء الحقين أولى من إسقاط حق الأمن ومراعاة حق ولي الدم. ولهذا روعي حرمة الحرم بعصمة الصيد عن القتل المباح في الأصل. فصار في الحرم ذا حرمة كحرمة الناطق محقونًا مضمونًا بالكفارة؛ فلئن يعصم الحرم حرمة دم الآدمي المحقون في الأصل، ويعيده إلى أصل الحقن عن إباحة دم عرض عليه، أولى.