قال الحنفي: إن الإيداع بالقول مطلق. ولا يجوز أن يحمل كلام العاقل على أنه أراد بقوله للمودع ((احفط ما دمت حافظاً، فإذا تعديت فضيع ولا تحفظ؛ )) بل يريد بعد التعدي الحفظ من طريق الأولى.
قال له الحنبلي: ما ضاق الأمر علي إلى حد يكون الأمر على هذا الوجه؛ بل أنا أبين وأوضح كيف الأمر، فأقول: إن مطلق أمره يقتضي الحفظ المقيد بما دخل عليه من اختياره لحفظه، وما عرفه من أمانته. والإنسان لا يختار لماله المائع إلا إناء لا يرشح، ولجامد ماله إلا وعاء لا يشف بما فيه ولا يكشف سر ماله، ولا يختار من البيوت إلا ما يكون في وسط العمران وثيق الجدران والأبواب. فإذا عين إناءً وبيتاً ووعاءً لمتاعه، كان تعيينه مقيداً بقصد العقلاء. ثم إنه متى خرب ما حول البيت الذي كان وسط العمران فصار عرضة السراق، وأخلق الوعاء الذي فيه المائع والجامد الذي يتبدد ويضيع، جاء من تقييده اقتضاء النقلة من ذلك البيت وذلك الوعاء إلى غيره. وكذلك متى تغيرت صفات المودع من عقل وضبط إلى خرق وفساد عقل وضعف عن حفظ، تغير الأمر. وكذلك إذا حصلت الخيانة. فعلم أن الأمر بالحفظ يقيد هكذا. وإذا كان مقيداً بالعرف، زال الإيداع بتغير الحال. فلا يعود إلا بإيداع من قبل المالك.
ثم قال الحنبلي: إن الخيانة والتعدي، وإن كانت لا تضاد الإيداع، وهو القول، فإنها تضاد ما هو شرط في بقاء العقد، وهو الأمانة والحفظ.