ولأن هذه المقالة تقرب من السفسطة. لأن أصحاب سوفسطا عطلوا الحواس عن دركها. وأنتم عطلتم العقل عن دركه. وخصيصة العقل الفرق بين الجائز والمحال، والواجب الجائز، والحسن والقبح.
ومعنا كلام يدل على أن إجماع العقلاء على ما قلنا. وذلك أنهم أجمعوا على أنه ما ورد الشرع بما يخالف العقل. فلو لم يكن للعقل قضايا، ففي أي شيء تحصل الموافقة أو المخالفة؟ إذ لا موافقة ولا مخالفة إلا لما له حكم وقضية. ألا ترى أن قائلًا لو قال ((إن فلانًا الفقيه لا يفتي إلا بما يوافق فلانًا)) لم يعط ذلك إلا موافقته لمن له فتوى ومقالة. ومن كان عاطلًا عن الحكم فلا موافقة له ولا مخالفة.
ولو لم يكن في العقل حسن وقبح، من أين كنا نعلم التنبيه؟ وليس الأولى في النهي عن التأفيف إلا كون العقل عالمًا بطبقة قبح الضرب والشتم، وأنها طبقة عليا تنبه عند نهي الشارع عن طبقة التأفيف وهي دونها في القبح.
قال الحنبلي: إنني لم أعطل العقل عما له وعما يجب له، ولا أعطيه ما لا يستحقه. فحده درك المعلومات، لأنه عندي ضرب من العلوم الضرورية. وليس من ضرورة العلم أن يدرك الوجوب والحسن والقبح، كما أنه ليس في قوى الحواس المدركة للمطاعم والمشارب والعقاقير، فتعلم