به كتابه العزيز:{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلًا}. لم يبق إلا أنه خلقها لنا. وشاهد خلقها لنا ظاهر. وهو أنها بحسب حوائجنا وأمزجتنا حامض وحلو ومر، ومسهل ومقبض، ومروٍ ومشبع، وإلى ما شاكل ذلك. فكل شيء معد لمعنى من أمزجتنا وعوارض أحوالنا. والإناث للذكور كالحلقة للزرفين. والبهائم كلٌ منها لمعنى من مركب ومحلب، على ما ذكره الله سح. ثم نطق بذلك وصرح به، فقال:{خلقها لكم}، {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض}. وساق الآيات. وما كان في النظر كذا لا يعطل. وما جلبه الاستدلال العقلي لا يهمل ويطرح. فقد بان أنه من قوى العقل.
فأجاب الحنبلي المستدل بأنك فرطت في التقسيم، وأسقطت قسمًا هو الذي علقنا عليه الحكم. وهو الوقف. وهو أنه خلقها كذلك بلوى لنا وامتحاناً. والدليل على ذلك أنه لو كان دليلك ونظرك الذي أبديته موجباً كونها مباحةً لنا، حيث كان الباري لا ينتفع ولا يستضر، ولا ينتقص ولا يفتقر وأنه غني، لكان هذا موجبًا قبح منعه لنا. لأن المانع منا للاستظلال بظل جداره، والاصطلاء والاستضاءة بناره، وغرفة من نهره لبل رمق عطشان، يكون بخيلاً مذموماً، لما ذكرت من غنائه عن ذلك وعدم استضراره بالانتفاع به.