وعند أبي حنيفة يحبس حتى يخرجها، فغلب فيها طريق المؤاساة. فالتعجيل أحسن في المؤاساة وأنفع للفقراء. وإنما جعل للتأخير رفقاً برب المال إلا الرفق بالفقراء، كان ذلك أحسن. فلا وجه للمنع منه.
اعترض مالكي فقال: إن المؤاساة آخر أمرها. وإلا فالتعبد هو أول وهلاتها وأكبر مقاصدها. ولذلك تجب النية وإخلاص القصد، ولاسيما على قولكم. وإنه لا يجوز إخراج القيم، بل يقف على ما ورد به النص مع حصول المؤاساة بالقيم ولهذا لو دفع المال إلى الفقير، فقبل ارتفاقه به هلك، لم يجب على رب المال غرامة. ولو كان المغلب المؤاساة، لغرمها، ما لم يتحقق سد خلله بها، كما نقول في نفقة الأقارب.
وقال من ينصر طريقة أبي زيد- أن المغلب سياسة الدنيا في الحدود، وأنها ليست آخرته لله سح: إن مراعاة الشرع في العبادات صورها لإقامة سياسة الدين. لأننا نضرب المكلف ليصلي، وقوم ينخسونه بالحديد إلى أن يموت أو يصلي. وهل هذا إلا عناية بصور العبادات ليظهر امتثال أمر الشرع؟ وإلا فلو كان المغلب التعبد، كان متى امتنع، تركناه إطراحًا له، حيث لم يحصل طائعًا باعتقاده ونيته.