فيها طرفي نقيض. يقول الله سح وتع:{الكافرون هم الظالمون}. ويقول من الوعيد ما يطبق على الفكار وما تقشعر منه الجلود، مثل قوله تع:{لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون}، {بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون}. وهذه كلمة تحتمل كفر الإلهية؛ وكفر هو الجحد بالبعث، وكفر هو كفران النعمة. ما يؤمني أن يكون واقعًا على كفران النعمة؟ فما وجه فرحي بتصوري أنها ترجع إلى كفر الجحد؟ ليس هذا من الحزم أن أجتهد في مجانية كفران النعم، خوفاً أن يكون الوعيد راجعًا إلي بكوني كافرًا للنعمة. وكما أن كفر الجحد كفر وتغطية للمنعم، وما يستحقه من الإتيان تغطية النعم بمقابلة الحياة واستعمالها فيما يسخط كفران أيضًا، لا آمن والله أن يكون قوله {لا يكفون عن وجوههم النار} راجعًا إلى من كان لا يلوي وجهه عن البهت والنظر الحرام، {ولا عن ظهورهم} راجعًا إلى من تجنب ظهره الحرام، وإلى من كان يلتجئ إلى الظلمة في استيفاء الحقوق، والاستقصاء بما يزيد على الحقوق، إلى أمثال ذلك. ألا تراه قال في الآية الأخرى في مانع الزكاة:{يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم}؛ لأن الجبهة تنزوي بالتعبيس في وجه الفقير، والجنب يلوى به عن الفقير، والظهر يستدبر به الفقير.