وحيث تجاسروا هذا التجاسر كان يجب ألا يتجعدوا عن تصريفهم لقوله تع {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} أن يقولوا: ((نفخ بفيه إلى ذات آدم المجوفة صفته التي هي الروح. وكذلك نفخ في فرج مريم إذ لا يعقل من النفخ إلا ذلك. بدليل نفخ عيسى في الطائر حيث قال:{وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير}، فينفخ فيه فيكون طيراً. فلما وجب أن لا ينصرف في النفخ المضاف إليه، ولا الروح التي أضافها إليه، أنه إخراج هواء وبعثه من فم إلى مجوف، ولا أن الروح المنفوخ منها أو المنفوخة صفة لله أولجها بذلك النفخ في جثة آدم ولا فرج مريم؛ لكن تفسير هذا ما جمعه الباري في كلمة تليق به فقال:{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم}. ثم ذكر المماثلة في المادة التي خلقه منها وهي التراب، ثم ذكر معنى الخلق وما خلقه عنده أو به فقال:{ثم قال له كن فيكون}، {الحق من ربك}، أي هذا هو الحق من ربك، {فلا تكن من الممترين} في أن بيني وبين عيسى الوصلة التي توهمتها النصارى من أن كلمتي حلت، أو صفتي ولجت، أو أنه تولد عن كلمتي، أو أنه متعلق علي تعلقاً يزيد على آدم. فوجب على من سلك طريقة التحرج وفهم ما تحت قوله {استوى على العرش} ((استقر)) ولا {لما خلقت بيدي}((عجنت طينة بجارحتين ذات أصابع فانسل الطين من بين أصابعي))، على ما توسعوا به. وتوسع الهروي? الأنصاري في قوله، {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم}، {في كتابٍ مكنونٍ}، أنه حال في الصدور والصحف. وكان هذا من أعظم التجرؤ على القديم سح.