ثم قال: إذا حققنا النظر، وجدنا أن الذي ترك السلف الأول وهجروه لا يفتخر بتركه. فإن غاية ما هجروا صوراً في حجر أو شجر؛ كالعزى واللات. وأي مجاهدة للنفس في ترك هذه وهجرانها، واعتقاد نفي الإلهية عنها، والمشاركة لله بها. وغاية ما كان من الشبهة أنها معبودات أسلافهم؟ وإذا كشفوا ما تركوا من اعتقادهم وافتخروا بذلك افتضحوا. وأما الأواخر، فإنهم بلوا بفلاسفة وطب ومنجمين وأرباب بدع تحيرت العقول فيها من تخيل الشبه. ثم في الفقه نظروا إلى ما قال السابقون وعرفوه وتدبروه. وبحثوا وكشفوا ما كان يستره التقليد وتعظيم الأكابر، وأمعنوا في المقاييس وميزوا الشبهة عن الحجة، ودحضوا التخيلات بالبراهين. وأسقطوا حكم الظواهر المخيلة لإثبات الأعضاء لله تع والصورة والنقلة بالنصوص الماحية لتوهم المتوهمة من المجسمة. فإذا قال الله:{ويبقى وجه ربك}، جاء بقوله:{ليس كمثله شيء}؛ {ولم يكن له كفواً أحد}، {فلما أفل قال لا أحب الآفلين}. واستحضر قوله في الكتب الأول: جاء الله من طور سينا؛ وأشرق من جبال ساعير. واستعلن من جبال فاران. وكان مجيئه من طور سينا المراد به التوراة وموسى؛ وإشراقه من جبال ساعير مجيء الإنجيل وعيسى؛ وكان استعلانه من جبال فاران القرآن ومحمد. والدلالة الصارفة لـ ((مجيء)) دلالة