قلت: ويستحضر المرء هنا ما يمكن أن يوحى بأولوية تقديم الابن للابوين على نفسه وأولاده في مثل هذه الحال ويستفاد منه ذلك، وهُوَ حديث النفَر الثلاث الذين لجأوا إلى غار ودخلوه، فانسدَ عليهم بابه بصخرة عظيمة عجزوا عن إزاحتها وتحريكها، فتوجهوا إلى الله بالدعاء، وتوسلوا إليه سبحانه بأعمالهم الصالحة، الخالصة لوجهه الكريم، وكانوا كما توسل بعضهم بذلك انفرجت فرجة في باب الغار يرون منها النور والسماء، وكان من جملة دعاء أحدهم وتَوَسُلِهِ إلى ربه العلى القدير أنه قال: اللهم إنه كان لي والدانِ شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعَى عليهم، فإذا رحتُ عليهم حلَبتُ، فبدأت بوالدَي أسقيهما قبلَ بَنيّ، وإني استاخرتُ ذاتَ يوم فلم آتِ حتى أمسيْتُ، فوجدتهما نائمين، فحلبت كما كنتُ أحلب، فقمت عند رأسهما أكْرَه أن أوقظهما، وأكرَهُ أن أسْقِي الصبْيَةَ، والمحبيَةُ يتضاغَوْن عند رِجْلي (أي يبكون من الجوع) حتى طلع الفجر، فإن كنتَ تعلم أني فعلته ابتغاءَ وجهك فافرُجْ لنا فُرجة نرى منها، ففرجَ اللهُ، فرأوا السماء ... ". وهذا الحديث صحيح أخرجه الإِمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، ويذكره العلماء والمحدثُون في فضل إخلاص النية والعبادة لله تعالى، وفي فضل البرور بالولدين. (٣٣٣) كذا في نسخة وفي نسخة ح: يجدَّدُ. وفي نسخة ت: وتجرد، وهُوَ تصحيف في الفعل: تجدد، كما تدل عليه عبارة القرافي هنا: وهي قوله: "وتجدَّد حِجْرُ البِرِّ" بعنى دام واستمَرَّ. (٣٣٤) تمام كلمة الإِمام مالك كما هي عند القرافي: "أطِع أباك، ولا تعْصِ أمَّك". (٣٣٥) عبارة القرافي: فهو بَغد البلوغ يمشي في البلدِ حيث شاء دُون السفر, إلَّا أن يكون في ربيةٍ وهُما يتَأذيان، فيمنعانه مطقا. قَلت: وقد أورد القرافي في آخر هذه المسألة السابعة سؤالا وجوابا اختصرهما الشيخ البقوري، ورأيت أن اذكرهما، نظراً لاختصارهما وتميماً للفائدة منهما فقال: (سؤال): قوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. [سورة البقرة الآية: ٢٣٢)، والنكاح مباح، وقد نهى الأبَ عن منع ابنتِه منه، فلا تجب طاعُتُه في تركِ المباح، وفي تَرك المندوب بطريق الْأولى؟ =