"لا ضرر ولا ضِرار"، أيْ لا يضُرُّ الانسان أخاه فينْقصُه شيئا من حقه، ولا يجازى من ضَرَّه يإدخال الضرر عليه، بل يعفو. فالضرر فعلُ واحد، والضِرَار فعل اثنين. فالاول إلَحاق مفسدة بالغير مطلقا، والثاني الحاقها به على وجه المقابلة، أيْ كل منهما يقصد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل. ثم زاد الشيخ الزرقاني رحمه الله في شرحه على الموطأ قائلا: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما في التمهيد، ورواه الداروري عن عمرو بن يحيى عن أبيه في أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه، موصُولا، بزيادة: "من ضارَّ أضَرَّ اللهُ به، ومن شاقَّ شاقَّ الله عليه". أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر والحاكم. ورواه الإِمام احمد رحمه الله برجال ثِقَاتٍ، وابن ماجةُ رحمه الله من حديث ابن عباس وعُبادةَ بن الصامت رضي الله عنهما. وأخرجه ابن أبي شبية وغيره رحمهمِ الله، من وجه آخر أقوى منه. وقال فيه الامام النووي رحمه الله: حديث حسن، وله طرق يُقوي بعضها بعضا، وقال العلائي رحمه الله: لَهُ شواهد وطُرق يرتقى بمجموعها إلى درجة الصحة، وذكره الامام النووي في أحاديثه المعروفة بالأربعين النووية، وذكر أبو الفتوح الطائي رحمه الله في الاربعين أن الفقه يدور على خمسة أحاديث، هذا أحدها. قلت: ومن جلتها ما نقله الامام السيوطي رحمه الله في أول كتابه: "الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية" عن أبي داود رضي الله عنه، وهي أحاديث: "الأعمال بالنيات" "والحلال بيين والحرام بين"، و "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه". وقال الإِمام احمد: أصول الإسلام تقوم على ثلاثة أحاديث: "الأعمال بالنية"، و"ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" أي مردود عليه، وغير مقبول منه، و "الحلال بين والحرام بين"، وقال أبو داود: مدار السنة على أربعة أحاديث: "الأعمال بالنيات" و "مِن حُسْن اسلام المرء تركه مالا يَعنيه"، و "الحلال بين، والحرام بيين"، "وإن الله تعالى طيب لا يقبَلُ إلا طيبا"وفي لفظ آخر له: "لا يكون المومن مومنا حتى يرضى لأخيه ما يَرْضى لنفسه". وذكر الإِمام الدارقطني أن الحديث الرابع هو: "إزهَدْ في الدنيا يحبَّك الله". وذكر الخفافُ من علماء الشافعية أن مدار الأحاديث على أربعة: "الأعمال بالنيات"، و "لا يحِل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث"، و "بُني الاسلام على خمس" و "البينةُ على المدعى واليمين على من أنكر"، إلى غير ذلك مما قاله العلماء في هذا الموضوع من أن حديث "الأعمال بالنيات" يدخل في ثلاثين بابا من العلم، وقيل في سبعين بابا من العلم والعمل، فلْتُحفَط هذه الأحاديث، ليكن العيلُ بها كلها، فإنها أصول الدين والفقهِ الذي نتَعَبدُ الله به، ونرجو منه القبول بمنه وفضله سبحانه، فهو الجواد الكلام، ذو الفضل العظيم.