للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين: قد تقدم أن مخالفتهما في الجهاد الذي هو فرض كفاية لا تجوز، لما تبين في الحديث، وهذه الفتوى من أبي الوليد وسحنون بخلاف ذلك، فقال في الجواب: العِلْمُ وضَبْطُ الشريعة وإن كان فرضَ كفايةٍ، غير أنه يتعيَّن له طائفة من الناس، وهم الذينٍ جَادَ حِفْظُهُم، ورَاقَ فهمُهُم، وحسُنَتْ سيرتهُم. وإذا كانت هذه الطائفةُ متعينة بهذه الصفات فطلَبُ العلم عليها فرض عين، فلعل هذا هو معنى كلام سحنون وأبي الوليد. (٣٢٩)

قلت: هذا تكَلَّفٌ بعيد، فالتصريح قد وقع من أبي الوليد في مخالفتهما في فروض الكفاية، وأيضا فكيف يصيرُ متَعَيّنا على من كانت فيه تلك الصفات التي ذكَر، بل لا يزال فرض كفاية إلا أن يُفرَضَ أنه ليس على وجه الارض أحدٌ هو على ذلك الوصف من التهيؤ غيرُهُ، وهذا لا يتأتى ولا يُتصوَّرُ صحة فرضه، والله أعلم.

المسألة السابعة: إن أرادَ سفراً للتجارة يرجو به ما يستعين به على الاقامة (٣٣٠) فلا يخرج إلا بإذنهما، كان رجا أكثر من ذلك وهو في كفاف، وإنما


(٣٢٩) المراد بأبي الوليد هنا هو العلامة الطرطوشي، كما ذكره القرافي، وقد سبق أشرت في تعليق سابق أن ابن الشاط نبه قبل هذه المسألة وعندها، هنا إلى أن الصواب في كنيته هو أبو بكر، وأنه بذلك ذكرته كتب التراجم، وكما صححه ابن الشاط فيما سبق وفي التعليق الآتي: ٣٣٠. ثم قال القرافي، في نهاية هذه الفقرة: والجهادُ يَصلح له عموم الناس فأمرُهُ سهْلٌ، وليس الرَّمْي بالحجَر، والضربُ بالسيف كضبط العلوم، فكل بليد أو ذكي يصلح للاول، ولا يصلح للثاني إلا من تقدم ذكرُه، فافهم ذلك.
وكلام سحنون كما ذكره القرافي هو قوله: من كان أهلا للإمامة وتقليد العلوم ففرض عليه أن يطلها، لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ومن لا يعرف المعروف كيْفَ يامرُ به، أو لا يعرف المنكر كيف ينهي عنه" اهـ كلام سحنون كما ذكرِه القرافي رحمهم الله جميعا
قلت: ومن ذلك قول إلله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)} [التوبة: ١٢٢].
(٣٣٠) كذا في جميع النسخ الثلاث المعتمد في هذا الترتيب والاختصار عند البقوري. وعبارة القرافي: قال أبو الوليد: إن أراد سفرا للتجارة يرجو به ما يحصل له في الاقامة فلا يخرج إلا بإذنهما". وعقب الشيخ إبن الشاط على ما جاء في هذه المسألة السابعة بقوله: ما قاله القرافي في ذلك صحيح، غير قوله. قال أبو الوليد، فإنه أبو بكر، كما سبق ذكره قربيا التعليق ٣١٤ ص ٥٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>