للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"سؤال": قوله عليه الصلاة والسلام: "صِلُةُ الرحم تزيد في العمر"، وقد عليه السلام: "من سَرَّة السَّعة في الرزق والنَّماء في الأجَل فلْيصِلْ رحمه" (٣٣٨)، كيف يكون هذا والأمورُ قد فُرِغ منها في الأزل (٣٣٩)

فمن العلماء من قال: إنما ذلك بزيادة البركة. وقال شهاب الدين: هذا لا ينبغي، لأن تلك البَركة داخلة في القَدَر، وهذا الجواب يُوهِمُ أنها ليست داخلة فيه. وأيضا ففيه فساد من حيث إن القصد بالحديث التحريضُ على هذا الخير، والحثُّ على صلة الرحم، فإذا سمع أحدٌ أنه لا رزيد إلا البركةَ كَسَل عن


= والمرادُ ببنْتيْ العمة والخالة والعم، كما كره الزرقاني والقرافي هنا هو بنتا العمتين والحالتين المتعددتَيَن، أو العميْن والخاليْنِ كذلك، بحيث تكون كل ينت منْهما بنتا لعمة أخرى أو خالة أخرى، أو لعم آخر وخالٍ آخر، لأن بنتي العمة أو الخالة الواحدة، أو الخال والعم الواحد تكونان أختيْن من النسب، والإختان لا يجوز الجمع بينهما في العصمة الزوجية بحال، وهذه المسألة من البَدَاهة والوضوح بمكان لدى السادة العلماء والفقهاء، وإن المقصود من إيرادها والتنبيه لها هو دفع ما قد يتبادر إلى ذهن البعض من استشكال العبارة عند من تبدو له مشكلة أثناء قراءتها لأول وهلة، وهي في الواقع عند التأمل سليمة واضحة، والأختان من الرضاعة كذلك، حيث إنه يحرمُ من الرضاع ما يحرم من الرحِمِ والنسَب كما هو معلوم شرعا واجماعاً.
(٣٣٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن سَرة أنْ يُبسَطَ له في رزقه، وأنْ يُنْسَأ له في أثَره (أيْ أن يُزَادَ له في أجَله) فليَصِلْ رَحِمَه" رواه الشيخان وأبو داود رحمهم الله.
(٣٣٩) عن عبد الله بن مسعود ضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصادق المصدوق، قال: "إن أحدكم يُجمعَ خَلقُهُ في بطن أمه أربعين ووما نُطفة، ثم يكون علَقة مثلَ ذلك، ثم يكون مُضغة مثلَ ذلك، ثم يرسَلُ إليه الملَكُ، فينَفخُ فيه الروحَ، ويُومَرُ بأربع كلماتِ: بكَتب رزقهِ، وأجله، وعمَله، وشقيّ أو سعيد، فوا اللهِ الذي لا إلاه غيرُه، إنّ احدَكم لَيعمَلُ بعملَ أهل الجنة حتى ما يكونَ بينه وبيْنها إلا ذِراعٌ، فيسبِقُ عليه الكتاب، فيَعملُ بعمل أهل النار فيدخلُها، وإن احدكم لَيعمَلُ بعمل اهل النارِ حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بحمل أهل الجنة فيدخلها". متَّفَقٌ عليه بين الشيخين: البخاري ومسلم رحمهما الله.
وهذا الحديث النبوي الشريف يشير إلى ما تضمنته الآية الكريمة في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ١٢ - ١٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>