للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، وإنما الجواب - قال: أن يقال: ان الله قدَّر في الأزل أن يَعيش المرء ثلاثين سنة مرتَّبة على الأسباب العادية من الغِذاء والتنفس في الهواء، ورتَّب له عشرين سنة أخرى على هذه الأسباب، وصلةُ الرحم يجعلها الله تعالى سببا كَما الغِذاءُ سبب للعيْش، ويقال لذلك: إنها تَزيد في العُمُرِ حقيقة كما يقال: الإيمان سببُ الجنة، والكفر سبب النار. وعلى هذا التقديرِ ينبسط السامع لهذا ويسهل عليه صلة الرحم، ويبقى الحديث على ظاهره لا يُتأوَّل ويُخْرَجُ عن ظاهره. وهذا الجواب يجري في الدعاء أنه يرُدُّ القضاءَ ويزيد في العمر والرزقِ وما أشبهَ ذلك (٣٤٠).

وهنا أيضاً سؤال صعب، وردَ في قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}، (٣٤١) فقال بعضُ الفقهاء: هنا سؤال، وهو أنه عليه السلام إذا علِمَ الغيب، والذي في الغيب هو هذا الذي قد قدره الله تعالى من الخير، فكيف يستكثِر من الخير على تقدير الِاطلاع على الغيب.؟

والجوابُ أن الله تعالى قدّرَ الخيْر والشر في الدنيا والآخرة، وجعَل لكل مقدور سبباً يترتب عليه ويرتبط به. ومن جملة الأسباب، الأسبابُ التي جرت عادته بها من العلوم والجهالات، فالجهل سببٌ عظيم في العالم لمفاسدَ من أمور الدنيا والاخرة، والعلم سبب عظيم لتحصيل مصالِحَ ودرْء مفاسدَ في الدنيا والآخرة. فالذي دفع إليه الْسُّمُّ فأكلَه فمات إنما قدَّر الله له أن يموت لجهله بتناول السم،


(٣٤٠) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مَن سَرة أن يستجيبَ الله له عند الشدائدِ والكُرَب، فليكثر الدعاء في الرخاء"
وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الدعاء ينفعُ مما نَزَل ومما لم يَنْزِل، فعليكم عِبادَ الله، بالدعاء" هـ
وعن سلمانَ رضي الله عنه عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يَرُدُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العُمُرِ إلا البِرُّ" روى هذه الأحاديث الإمامُ الترمذي رحمه الله.
(٣٤١) وأول الآية قولُ الله تعالى خطابا لنبيه الكيم: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ١٨٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>