للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو علمه لم يتناوله فلم يمُتْ، فلو قَدَّر الله تعالى نجاته منه قدَّر اطلاعه فسَلِم، فيكون سببَ سلامته عِلْمُهُ، فالمقدَّر على تقدير الجهل نحن نمنع أنه مقدَّر على تقدير العلم، بل ضده، فالرزق الحقيرُ إنما قدره الله لأهله على تقدير جهلهم بالكنوز وعمَلِ الكيمياء وغير ذلك من اسباب الرزق، أما مع العلم بهذه الأسباب العظيمةِ الموجِبةِ في مَجْرَى العاداتِ سَعةَ الارزاق، فلا نُسَلّم أن الله تعالى قدَّر ضيق الرزق على هذا التقدر، كما نقول: ما قدَّر الله دخولَ الجنة إلا على تقدِير الايمان، أما مع عدمه فلا نسَلِّمُ أن الله تعالى قدَّر لهم الجنة، وما قدر للكفار النار إلا على قدر جهلهم با لله تعالى، أما على تقدير علمهم با لله تعالى فلا نسلم أنه قدَّر لهم النارَ، وعلى هذه الطريقة يتضحُ لك أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لو اطلع على الغيب كثَرُ عنده مِنْ الخير ما لم يكن عنده الآن، وما مسَّه السوء.

فائدة: إنَّ ناسا يقولون: الأب ثلثُ البرّ وللام الثلثان، وقيل: الأب الربع، والأم ثلاثة أرباعه، وهذا لقوله عليه السلام: ثم أبوك في الثالثة في رواية. وفي الرواية الاخرى: ثم أبوك في الرابعة. (٣٤٢)

قال شهاب الدين: وهذا ليس بصحيح، بل أقلَّ من ذلك بكثير، وهذا من حيثُ ثُمَّ التي التراخي، فهى تُعطى أن الرتبة الثانية أخْفَض رتْبةً من التي قبلها بكثير، ثم الثالثةُ أخفضُ من الثانية كذلك بكثير، فكيف يقال: الثلث، أوْ يقال الربع، وهذا الحرف أعطَى نقصان المرتبة الأخيرة عن التي قبلها بمراتب عديدة، ولابُدَّ، أقلَّ من الثلث ومن الربع قطعاً، وإذا كان الأمر هكذا فلَيس بصحيح ما قاله مَن تقدم، من الثلث والربع.


(٣٤٢) إشارة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ الله، مَنْ أحق الناس بحسْن صحابتي؟ (أيْ من هو أوْلاهم بحسْن معاشرتي وبُروري وإحسان) قال: أمك، قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: امك، قال: ثم من؟ قال: أمُّك، قال: ثم مَنْأ قال: أبوك" رواه الشيخان رحمهما الله.
وعنه أيضا قال رجل: يا رسول الله، مَنْ أحقُّ الناس يحسْن الصحبة؟ قال أمُّك، ثمّ أمُّك، ثم امُّك، ثم أبوك، ثم أدْناك فأدناك"، أيْ الأقربُ إليك فالأقرب، رواه الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>