للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قالَ: فإن قلْتَ: هل يتعَيَّنُ ذلك بعد تسليم بطلانِ المقدَّر المذكور؟ فقال: قلتُ: ذلك عسير عليَّ، وإنما الذي يتيسر لي إيراد السؤال، أمَّا تحرير ذلك فلا.

قلت: بل الظاهر ما قاله مَن تقَدَّم. وهذا كقوله عليه السلام لمَّا قيل له: أكْبَرُ الكبائر يا رسولَ الله؟ قال: أن تجعلَ لله ندًّا وهو خلَقَك، قيل: ثم ماذا؟ قال: أن تَقتلَ ولدك خشيةَ أن يَطْعَمَ معك، قيل: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك". (٣٤٣). فكما أن قتل النفس هنا في الرتبة الثانية والزنى في الرتبة الثالثة، ولا تَوَسُّطَ بين شيئين مما ذُكر، وإن كانت لفظةُ ثُمَّ ثابتةً، وكذا الأمر في قوله: ثمّ من؟ فيقول: أمُّك، في أنه يفيد أن الأم لها من البر التقديم برتبتين أو ثلاثِ رُتب حسبما في الحديث من اختلاف الرواية.

وأقول: أشار بالرواية الواحدة إلى ما اختصّت به الأم من الحمل والرضاع كما قال الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، (٣٤٤) فزادت بهذين، واشتركت بعد ذلك مع الأب في القيام به فيما عدا الرضاع، (٣٤٥) وقدَّم الأب بالذكر، وبالرواية الأخرى أشيرَ إلى المختص المذكور، وذلك شاقّ كما تقدم.


(٣٤٣) أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئِل: أيّ الذنب أعظمُ؟ فذكر الحديث.
وفي معناه حديثٌ آخَرُ صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا أخبركم بأكبرِ الكبائر؟ قالوا: بَلَى يا رسول الله، (أيْ أخْبِرنا بها لنتعرَّفها فنجتنِبَها). قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالديْن، وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قُلْنا: لَيْتَهُ سكتَ".
(٣٤٤) والآية من أولها هي قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥].
(٣٤٥) عدَا أداةُ من أدوات الاستثناء مثل خلا، ويكون ما بعدهما مستثنى مجرورا على اعتبار أنهما حرفان من حروف الجر، أو منصوبا على انهما فعلان، ويتعين نصبُ المستثنى بهما حينئذ، إذا كان مسبوقا بما، كما في هذه العبارة، والى ذلك يشير ابن مالك في ألفيته بقوله:
واشتثْنِ ناصباً بـ ليس وخلَا ... وبِعَدَا وبيكونُ بَعدَ لا
واجرر بسابقَيْ يكونُ إن تُرِد ... وبعدما انصِبْ وانجرارٌ قد يَرِدْ
وحيث جَرَّا فهُما حرْفانِ ... كما هُما إن نَصَبا فِعْلانِ
كخلا حاشا، ولا تصحبُ، مَا ... وقيل: حاشَ وحشا فاحفَظْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>