للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهى كمل كتاب ترتيب الفروق واختصارُها، لأبي عبد الله محمد بن ابراهيم البقوري رحمه الله.


= عليه واجبا كان الجاهل في الصلاة عاصيا بترك العلم، فهو كالمتعمد التَّرْك بعدم العلم بما وجب عليه، فهذا وجه قول الإِمام مالك رحمه الله: إن الجهل في الصلاة كالعمدِ، والجاهل كالمتعمد لا كالناسي، وأما الناسي فمعفو عنه، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
"رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكْرِهوا عليه". وأجمعت الأمة على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة، فهذا فرق.
وفرق ثانٍ، وهو أن النسيان يهجم على العبد قهراً لا حيلة له في دفعه عنه، والجهل له حيلة في دفعه بالتعلم، وبهذين الفرقين ظهر الفرق بين قاعدة النسيان وقاعدة الجهل".
وقد عقب الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء عند الإِمام القرافي رحمه الله في هذا الفرق فقال: وما قاله في هذا الفرق، مما وقفْتُ عليه مِنْه، صحيح، ووقع فيه في النسخة التي رأيتها منه نقص دل عليه الكلام، فلهذا قلت: "مما وقفت عليه"، والله تعالى أعلم وأحكم، وهو سبحانه ولي الهداية والتوفيق. اهـ.
قلت: كان ما جاء عند الشيخ البقوري رحمه الله في هذه القاعدة الأخير التي ختم بها كتابه هذا "ترتيب الفروق واختصارها"، وكذلك ما جاء منها مفصلاً وموسعا في هذين الفرقين: الثالث والتسعين، والرابع والتسعين عند القرافي يدعُو المسلم والمسلمة إلى حُب العلم وطلب المعرفة ويدفعه إلى الاستزادة منه، ويحمله على البحث عن الحكمة التي هي ضالة المومن وغايتُه المنشودة، ولذته وسعادته الروحية والفكرية، كما ذكر الشيخ تاج الدين ابن السبكي رحمه الله تعالى في كتابه بمح الجوامع في أصول الفقه. وحكاه عن والده الشيخ الإِمام في العلوم فقال: "وحَصَر الشيخ الإِمامُ اللذة في المعارف".
كما يحمل القارئَ والمتعلم، والعالم الفقيه في الدين على أن يجعل اهتمامه بالعلم، تَلَقّيا وتلقينا، وتعلَّما وتاليفاً وتدوينا، واشتغاله به كتابة وإفتاءً، خالصاً لله رب العالمين، وابتغاء مرضاته ووجهه الكريم، ورغبة في الاستفادة من العلم ونوره، وتعليم الناس وإفادتهم به وتفقيه المسلمين، وتنوير بصائر المومنين، حتى يكون الفقيه العالم في زمرة أولئك العلماء العاملين، الصالحين المخلصين، الذين أثنى عليهم ربنا العظيم، ووزكاهم بقوله الكريم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقال فيهم سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}، وقال فيهم جل علاه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
وقال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يردْ الله بن خيرا يفقهه في الدين"، وقال فيهم أيضا:
"العلماء ورثة الانبياء، وإن العالم لَيستغفرُ له مَن في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء، وفضْلُ العالم على العابد كفضل القمر علي سائر الكواكب"، وقال فيهم ايضا رسولنا عليه الصلاة والسلام: "يشفعُ يومَ القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء"، رواه الإِمام ابن ماجة رحمه الله عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين، ورحم الله كافة العلماء والفقهاء وأعلام ملة الاسلام، وسائر المسلمين، فلمثل ذلك فليعمل العاملون، وفي ذلك فلْيتنافس المتنافسون.

<<  <  ج: ص:  >  >>