للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوب لهذه متأخر عن وجوب الصلاة، والصلاة متأخرة عن زوال الشمس مثلا، فَقَبْلَ سبَبِ الوجوب لا وجوبَ

فإن قلنا: لا وجوبَ، قَامَ مَعَنا اشكال آخرُ وهو: فكَيْفَ أجزأ ما ليس بواجِب عما هو اجب، والقاعدة المقررة خلاف هذا، ولَمَّا توجه الإشكال اضْطَرَبَتْ أجْوِبة الفقهاء.

فقال القاضى: أبو بكر ابن العربي: "الوضوءُ واجبٌ وجوبًا مُوَسَّعا قبل الوقت وفي الوقت" (١٨). وهذا لا يصح، لأن ما ترتب حكمُه على سببٍ لا يتقدم سَبَبَه، وهو مرتب على ما رتب على الزوال أو غيره من الاسباب للصلوات، فالوضوء وسيلة للصلاة التى هي مقصُودة، ووجوبُ الوسائل تَبَع لِوجوبِ المَقَاصِد.

وقال غيْرُهُ: تَقَعُ غيرَ واجبةٍ وأجزَأتْ عن الواجب إجماعا، فهى مستثناة بالإجماع، وهذا لا يصح، لأن المجمع عليه الإجزاء، وأما أنها مستثناة بالإجماع فلا.

وقال آخَرُ: دوام ذلك فِعْل له، فَيَجبُ عليه الدوام على ذلك الحال عند دخول الوقتِ وقد فَعَلَهُ، وهذا - ايضًا - غيرُ مرضي، فإنَّا لا نقول: دوام تلك الحالة فِعْل لها، لأنه قد يدوم وهو غير شاعِر بها، وشرطُ الفعلِ المعتبَرِ في السّنِّة شعورُ فاعِله بِهِ.

وقال شهاب الدين: الجوابُ الصحيحْ عندي، أن نَقُولَ: هذه الاشياء قد


= وقوله: فقبْل سبَب الوجوب لا وجوب، ذلك مسلَم، لكن ليس سبب وجوب الطهارة المعيَّنة هو بعينه سبب وجوب الصلاة المعينة بل العزْم على استباحتها بتلك الطهارة، ولا استحالة في مغايَرة سبب المشروط سببَ الشرط، فإن هذه الأمورَ وضْعِيَّة تقع بِحسب قصد واضعها، والله أعلمُ.
(١٨) قال القرافي: وهذا احسن الأجوبة التي رأيتُها، وهو لا يصح ... الخ ما ذكره القراني والبقوري، وعلق ابن الشاط هنا على كلام ابن العربي فقال: ما قاله الامام ابو بكر صحيح، والله أعلم، وعلى ما قاله القرافي من أن الوجوب قبل سببه لا يُعقل في الشريعة لا مضيقا ولا موسَّعا، بأنه أمر مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>