للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الخطاب الغير المعيَّنِ فكثير في الشريعة وموافق للحكمة، (٣٧) لأن المصلحة تحصل معه، وهذا كالامر بإخراج شَاةٍ معينة، فالمصلحة حاصلة مع عدم التعْيين، وصُرِف التعيين إلى المكلَّف.

وهنا مسألة: قال الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (٣٨)، فهذا خطاب بشئ غيرِ معيّن، وقد قلنا: إنه لا يجوز.

ولكنه هنا سؤالان على الآية (٣٩):

السؤال الأول: ما ضابط هذا الظن؟ ، فإنَّ غيْر المعيَّن إذا وقع التكليف به في الشرع، تارة يُعَينه الشارع بعد ذلك، وتارة يُعَلق بالجميع الوجَوبَ، فهذا من أي القسمين هو؟

والجواب أن نقول: لنا أن نقضى بتحريم الجميع حتى يدُلَّ الدليل على خروج البعض من هذا التحريم. والجواب الثاني أن نقول: المحرّمُ من الظن المشار اليه - هنا - ما دلّ الدليل على تحريمه، ومالا فلا. (٤٠)

السؤال الثاني: هو: كيف صح النهى عن الظن، وهذا أمر يهْجُم على النفس عند حضور أسبابه، لا قدرة على دفعه، فنقول:


(٣٧) عبارة القرافي هنا هى: وأما الخطاب بغير المعين فهو واقع في الشريعة، كثير جدا، كالامر بإخراج شاة غير معينَّة، ودينار من اربعين، والسُّترَة بثوب، ولم يُعيّن الشارع في هذه المواطن شيئا من أشخاص تلك الأمور لتمكن المكلف من ايقاع غير المعيّن في ضمن معيَّن من ذلك الجنس ... الخ.
(٣٨) سورة الحجرات: الآية ١٢.
(٣٩) عبارة القرافي رحمه الله: "ولْنذْكر من هذا الفرق (اى بين خطاب غير المعيَّن والخطاب بغير المعين) مسألتيْن: الأولى قوله تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" يقتضى أن المامور هُوَ غير معين، وهو خلاف ما تقدم. وقد تقدم الكلام عنها.
والثانية قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، إشارة إلى ظن غير معين بالتحريم، والخطاب لغير المعين يجوز من حيث انه غير معين، غير أن هنا سؤالين ... الخ
(٤٠) علق ابن الشاط على هذا بقوله: الطريقان (اى الجوابان) اللذان ذكرهما القرافي محتملان، والأول عندى أظهر وأقوى، . والله اعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>