للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين المُحرِم إذا مَسَحَ على الخُّفِ، فإن المُحرِمَ مخاطَب في طهارته بالغسل ولم يأتِ به، فلم تَحْصُلْ حقيقةُ المامُور به، وغاصب الخف أتى بحقيقةِ المأمور به، ولكنه جنَى على صاحب الخف. (١٠٣)

المسألة الثالثة: الذي يصلي في ثوب مغصوب، أو يتوضأ بماءٍ مغصوب، أو يَحجُّ بمالٍ حرام، كل هذه المسائل عندنا في الصحة سواء، خلافاً لأحمد رضى الله عنه. ووجْهُ ما قلناهُ أن المأمور به قد وُجد، والعِلَّةُ في المجاور.

فإن قيل: لا نسلمُ أن المأمور به حاصل في الطهارة والسُّتْرة، فإن ذلك الماء معدوم شرعا، وكذلك الثوب المغصوب، (للسترة)، والعدوم شرعاً كالمعدوم حِسا، ولا نقول هذا في نفقة الحج، فإنها خارجة عن أركان الحج، بل نفقة الطريق تحفظ حياة المسافر (١٠٤)، بخلاف المحرَّم في الصورتيْن، صُرِف فيما هو شرط، فكان الشرطُ مِعدوما.

قلت: نمنع أن الله تعالى أمر بالسترة واشترط فيها أن تكون الأداة مباحة، وكذلك نمنع أنه أمر بالطهارة واشترط في الأداة لها أن تكون مبَاحة، بل حرِّم الغضب مطلقا، وأوجَبَ الطهارة مطلقا، ولم يقيد أصلا، فكما يتحقق (١٠٥) الغصبُ وإن قارَنَ مامورا، يتحقَّقُ (١٠٦) المامورُ وإن قارن مُحَرّماً.

فإن قلت: فما الفرق بين هذه المسائل وبين مسائل الربا؟ ولِمَ لا وافقتَ الحنفية في تصحيح العقد فيها، كما صححتَ العبادة مع ثبوت النهي في الوصف


(١٠٣) قال ابن الشاط في أوّل هذه المسألة: ما قاله القرافي في ذلك صحيح إلى منتهى المسألة.
(١٠٤) عبارة القرافي رحمه الله: "ولا يمكن أن أقُولَ ذلك في الحج، فإن النفقة لا تعلق لها بالحج، لأنها ليست كنا ولا صُرِفَتْ في ركن، بل نفقة الطريق لحفظ حياة المسافر، بخلاف المحرَّم هنا طرف فيما هو شرط، فكان الشرط معدوما.
(١٠٥) في نسخة ح: فكما تحقَّق (هكذا بصيغة الماضى).
(١٠٦) في نسخة ح: تحقق المامور (كذلك بصيفة الماضى)، ولعل التعبير بالمضارع الذي يقتضى التجدد في كل واقعة مماثلة أظهر، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>