للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقع في الوجود قد يكون رحمة من الله تعالى، كمن يبتليه الله بالألم لرفع درجاته كما يفعل في دار الدنيا بالأمثلِ فالأمْثَلِ، فهم أشد بلاءً (١٩٩)، والله أعلم.

قلت: ولْنذكر ها هنا فرقًا آخر، وهو المائة في كتاب شهاب الدين، (٢٠٠) إذ هو مسألة من هذه المسائل فنقول:

النُّواح جاء فيه التحريم، والمراثي فيها الإباحة. والفرق بينهما حتى اختلفا في الحكم أن النائحة، الغالبُ عليها عدم الرضى بالقضاء، ونِسبةُ البارى تعالى إلى الجوْر، فلذلك حرِّمت النياحة، حتى انها لتذكر شيئاً من محاسن الميت حال لطمها لخدها، فكان ذلك مقويا لما قلناه، المراثى تَعْرى عن ذلك، فلوْ وجد من المرائي شيء عن ذلك لحرمت ايضا، وهكذا قال عز الدين ابن عبد السلام، وسجن شاعرًا سمع ذلك منه مرَّةً.


(١٩٩) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف المروى عن مُصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمْثَلُ"، أي المقارب لهم في قوةِ الإيمان والفضل وصلاح الأعمال، رواه ابن ماجه والحاكم رحمهما الله.
ومثله رواية أبى سعيد رضى الله عنه قال: يا رسول الله، من أشدُّ الناس بلاءً؟ قال الانبياءُ, قال: ثمْ من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: الصالحون ... رواه ابن ماجه والحاكم رحمهما الله.
(٢٠٠) هو الفرق المائة بين قاعدة النواح حرام وبين قاعدة المرائي مباحة" جـ ٢ ص ١٧٢. قال عنه الإِمام القرافي رحمه الله في أوله: إعْلم أنه قد اشتهر بين الناس تحريم النواح وتفسيق النائحة دون تفسيق الشعراء الذين يرثُون الموتى من الملوك والأعيان، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول: إن بعض المراثي حرام كالنواح، ثم ذكر القرافي تحرير القول فيهما وضبطهما، مما اختصوه هنا ولخصه البقوري في هذه المسألة رحمهم الله جميعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>