للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: حكى ابن العربي (٣٣) أن رجلين كانا يلعبان الشطرنج، فقال أحدهما: والله لا لعبتُ غيرَ هذا الدَّسْتِ، فجاءَ رجل ونفَض الرقعة، وجهلا ترتيبها، فامتنعَ من تكميل ذلك الدست، (٣٤) فسأل الفقهاء، فاختلفوا في تحنيثه على قولين، واختار أبو الوليد الطرطوشي عدم حنثه.

قلت: وهذه هي المسألة بعينها، فقال أبو الوليد (اي ابن رشد الجد). بقول مالك.

مسألة: لو قال: والله لأعطينك في كل يوم درهمًا من دَيْنك إلا في يوم الجمعة، فأعطاه في يوم الجمعة مع سائر الأيام، فإن الخلاف المتقدم يجري فيه وإن كان استثناء من إثبات, لأن إلا بمعنى سِوىَ، ولا يفهمون من قول هذا القائل أنه منع نفسه من الإعطاء في يوم الجمعة، بل استثناه توسِعَةً، وأن المقصود أنه لو أعطى فيه لم يضُرّه، وإنما المقصود من اليمين أنه لا يخِلُّ بالإِعطاء في غير يوم الجمعة، هذا المقصود باليمين لا يوم الجمعة. (٣٥).

قلت: وذكر أيضا صاحب الفروق فرقًا آخر، وهو التاسع والعشرون والمائة (٣٦) في قاعدة الاستثناء وقاعد المجاز، ورأيت إلحاقه بهذه القاعدة، بل كان


(٣٣) المراد به أبو بكر ابن العربي المعافري المفسِر والمحدث، والأصولي والفقيه، المشارك الضليع في كل العلوم العربية والاسلامية، كما تشهد بذلك كتبه الجليلة القيمة في مختلف ميادين المعرفة، وهو أشهر من أن يعرف به، فكتب الأعلام المالكية لا يخلو منها كتاب لترجمته، وليرجع الحد وإلى مؤلفاتها من أراد أن يتعرف على هذه الشخصية العبقرية الفذة، وما حكاه مذكور في كتاب القبس على شرح موطأ مالك بن أنَس حيث قال القرافي في هذه المسألة: حكى صاحب القبس أبو بكر ابن العربي، وذكر القصة التي أوردها الشيخ البقوري، فليرجع إليه من أراد التوسع في ذلك.
(٣٤) الدست لَه معانِ، منها ما يقال في لعبة الشطرنج: الدستُ له، أي غلَبَ مُنافسه، والدسْتُ عليه (أي كان مغلوب فيه).
(٣٥) عبارة القرافي هنا أظهر واوضح وهي: فغير يوم الجمعة هو المقصود باليمين لا يوم الجمعة. جـ ٢ ص ٩٤.
(٣٦) الفرق التاسع والعشرون والمائة بين قاعدة الاستثناء وقاعدة المجاز في الأيمان والطلاق وغيرهما. جـ ٣ ص ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>