قال القرافي رحمه الله في آخر الكلام على هذه المسألة المتعلقة بالحلف بأيمان المسلمين ولزومها لصاحبها ... إلخ واعلم أن في هذه المسأله غوْرًا آخر، وهو أن لفظ اليمين في اللغة هو القسم فقط، ثم إن أهل العرف يستعملونه في النذر ايضا وهو ليس قسَمًا، بل إطلاق اليمين عليه إما مجاز لغوى أو بطريق الاشتراك، وعلى التقديرين، فجمْعُ الأصحاب في هذه المسألة بين كفارة يمين وبين هذه الأمور التي جرتْ عادَتُهَا تنذر كالصوم، ونحْوه، والطلاقِ الذي ليس هو قسما ولا نذرا، يقتضي ذلك استعمال اللفظ المشترك في جميع معانيه إن قلنا إن لفظ اليمين حقيقة في الجميع، أو الجمع بين المجاز والحقيقة، وهي مسألة مختلف فيها بين العلماء، هل تجوز أو لا؟ أعنى هل يكون ذلك كلامًا عربيًا أو لا؟ ، والمنقول عن مالك والشافعي وجماعة من العلماء جواز ذلك، فهذه القاعدة لابدَّ من ملاحظتها في هذه المسألة. وقد عقب عليه ابن الشاط بقوله: لقائل أن يقول: ليس في ذلك استعمال اللفظ المشترك في في جميع معانيه، ولا الجمع بين الحقيقة والمجاز، بل صارتْ تلك الأمور كلها تسمى في العرف أيْمانا، وإن كان الأصل في اللغة ما ذكر، والله أعلم. اهـ. (٥٩) علق ابن الشاط على كلام القرافي في هذه المسألة (مسألة أيْمان البيعة) بقوله: ما قاله القرافي في ذلك صحيح، غير أن ما ذكره من حَمْل يمينه (أي الحالف بأيمان البيعة)، على النية، ثم على البساط، فيه نظر، فإنه لا يخلو أن يترتب على يمينه تلك حكم أولاً يترتب، فان لم يترتب عليها حكم فالمعتبر النية ثم السبب أو البساط، ثم العرف ثم اللغة، وإن ترتب عليها حكم فالمعتبر العرف ثم اللغة لا غيْرُ، والله أعلم. (٦٠) عرفه تاج الدين ابن السبكي -رحمه الله- بقوله: "والعامُّ (الوارد) على سبب خاص، معتبر عمُومه عند الأكثر، فإن كانت قرينة التعْميم فأجْدر". ومن هنا قرر علمًا الأصول القاعدة المشهورة القائلة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (٦١) سورة الإسراء. الآية ٢٥.