للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقتضاه وغفل عن البعض الآخر حنثناه في الذي نوى، بمقتضى اللفظ والنية المؤكدة وحنثناه في الذي خول عنه بمقتضى عموم اللفظ، فإن أطلق ونوى بعض مقتضاه وإخراج البعض الآخر حنثناه بما نوى دون ما أخرج، فهذه هنا نية مُخصِّصَةٌ، وظهر لك ايضا النية المؤكدة وما يترتب على كل واحدة (٦٤).

فقد ظهر لك الفرق بين أن يقصد إخراج البعض وبين أن يغفل عن البعض، وكان هذا من حيث إن المخصص، من شرطه أن يكون نافيا للعام، وإلا لم يكُنْ مخصِصا، فإذا نوى البعض وأخرج البعض فالمنافاة حاصلة، فيقال لهذه: نية مخصصة، وإذا نوى البعض وغفل عن البعض فلا منافاة، بل هو مؤكد للبعض المنوى، وبحسَبَ البعض الآخر لا أكَّدَه ولا نفاه، فلم يجد حقيقة اللفظ المخصص لفوات شرطه، وذلك المنافاة. (٦٥)

ونظير هذا من المخصصات اللفظية أن يقول الله تعالى، أقتلوا الكفار، أقتلوا اليهود، فلا تخصيص في قوله: أقتلوا اليهود، لقوله: أقتلوا الكفار، بل مؤكد لعموم اللفظ في بعض أنواعه وهم اليهود، ولو قال لا تقتلوا الذمى كان مخصصا للعموم، ولحصول النافاة بينهما، فكذلك النية.


(٦٤) عبارة الإِمام القرافي رحمه الله في هذا الموضع وخلاصته فيه هي كما قال: "فالمعتَبَرُ في التخصيص في الأيمان إنما هو القصد إلى إخراج بعض الأنواع عن العموم، لا القصد إلى دخول بعض الأنواع في العموم، فإن الأول منافٍ ومخصِص، دون الثاني فإنه موافق مؤكد، ففات فيه شرط التخصيص فلا يكون ذلك مخصصا، وانظر ذلك من المخصصات اللفظية ... إلخ. إلى آخر ما ذكره القرافي في هذا الفرق، ولخصه وأوجزه البقوري في هذا المختصر والترتيب رحمهما الله جميعا.
(٦٥) قال ابن الشاط هنا: هذا هو الاستثناء بالنية دون النطق، وفيه خلاف. قال صاحب الجواهر: منشؤه النظر إلى أنه من باب تخصيص العموم فيجزئ بالنية، أو النظر إلى حقيقة إلا سناء فلا يجزئ إلا نطقًا، ثم قال ابن الشاط: فتأمل كيف جعل صاحب الجواهر التخصيص بالنية أصلاً، وذلك مشعر بعدم الخلاف فيه، وجعل الإستثناء فرعا محمولاً على أنه تخصيص على قول، وعلى أنه استثناء على آخر، وذلك عكس ما قالهْ شهاب الدين، فإنه سَاقَ التخصيص بالنية مساق المختلف فيه، وصوب القول بعدم التخصيص بها حملا على التأكيد، وساق الإسّتثناء بالنية مثاق المختلف منه. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>