للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معَيَّنٌ، فهو أشبه شيء بالإخبار عن مائة دينار قِبَلَ فلان المعيَّن، فإن كان اعتبار الأشخاص الذين يصومون ليسُوا معَيَّنين في الصوم فالدراهم أو الدنانير التي تؤدَّى في الدَّين ليست بمعَينة، وهذا الاعتبار هنا لا يرده للرواية، فكذلك الآخر، والله أعلم.

لكنه يمكن أن يقال في الجواب: هذه مُغالطة أو غلط، فقد قدمنا أن الفرق بين الرواية والخبر هو من حيث أن الرواية خبر عن أمْر عام لا يتعلق بشخص معين، والشهادة متعلَّقها شخص معين، والصوم لا خفاء أنه لا يتعلق بشخص معين فهو إلى الرواية أقْربُ، وغاية ما يرد عليه أنه ينتقض بالشهادة على قتل الخطأ فإنها شهادة، وإن كان الحكم المتعلق بتلك الشهادة تعلّقَ لا بشخص معين، والله أعلم.


= قلت: والذي عليه فقهاء المالكية، واعتمدوه في مختلف مؤلفاتهم الفقهية أن خبر الهلال في الصيام والإفطار لَا يثبت ويعم إلا بِعَدليْنِ، وهذا يعني أنه عندهم من باب الشهادة، ولذلك قال الشيخ أبو الوليد ابن رشد الجد: "ولا يجب صيام شهر رمضان إلا برؤية الهلال او إكمال شعبان ثلاثين يوما. ورؤية الهلال تكون على وجهين: رؤية عامة (وهي الرؤية المستفيضة من جمع كثير من الناس يستحيل تواطؤهم على الكذب)، ورؤية خاصة (وهي النفر اليسير من الناس)، ثم قال ابن رشد: وهذه الرؤية الخاصة تختص بالحكام، فإذا ثبت عند الإِمام رؤية الهلال بشهادة شاهدين عدلين أمرَ الناس بالصيام أو الفِطر، وحمل الناسَ عليه. وهذا هو ما اختصره الشيخ خليل بن إسحاق المالكي في مختصره الشهير حيث قال "باب، يثبت رمضان بكمال شعبان أو برؤية عدلين أو جماعة مستفيضة ... الخ .. "، وذكره ونص عليه كذلك الفقيه المالكي محمد بنِ جزي في كتابه القوانين الفقهية فقال: يجب صوم رمضان وإفطارُ يوم الفطر برؤية الهلال، فإن غُمَّ أُكمل ثلاثين يوما، ثمَّ ذكر ذكر أنواع الرؤية: أنْ يرى الإنسان هلال رمضان فيجب عليه الصوم عند الجمهور، ولا يجوز له الإفطار، فإن رأى هلال شوال لم يفطر عند مالك، خوف التهمة، وسداً للذريعة. والوجه الثاني أن يشهد برؤيته شاهد واحد فلا يجب به الصوم، ولا يجوز به الفطر (أي بالنسبة لعامةِ أهْل البلد). والوجه الثالث أن يشهد شاهدانِ عدلان خاصة عند الإِمام، فيثبت بهما الصوم والفطر في الغيم إجماعا، فإن كان الصحو، والمصر كبير، ثبت بهما على المشهور. والرابع أن يراه الجمُّ الغفير من الناس رؤية عامة فيثبت وإن لم يكونوا عدولًا، ولا يفتقر إلى شهادة. والوجه الخامس أن يخبر الإِمام بثبوته عنده (أي فيتعين على رعيته الأخذ به). ثم فرع ابن القيم على أوجه الرواية السبعَة فروعا أربعة، منها:
الفرع الأول إنْ غُمَّ الهلال أُكملت العدة ولم يُلتفت إلى قول المنَجِمين، خلافا لقوم.
الفرع الثاني: إذا رآه أهل بلد لزم الحكم غيرهم من أهل البلدان, وفاقا للشافعي، وخلافا لابن الماجشون، ولا يلزم في البلادِ البعيدة جدا كالأندلس والحجاز إجماعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>