للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الحرية فالنفوس الأبية تنقبض من سلطة العبد عليها، ويخف ذلك عليها بالأحرار. وأيضا فالرق سبب للحقد، فربما بعث العبدَ ذلك على الكذب على المعين، وقصد أذية الجمهور يبعد، فوقع الخلاف بين الرواية والشهادة. (٨).

وحيث تبين هذا فلنقل: الخبر ثلاثة اقسام: رواية محضة كالأحاديث النبوية، وشهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعَيّن عند الحكام، ومركَّبٌ من الشهادة والرواية، وله صور:

إحداهما: الإخبار عن رؤية هلال رمضان، فمن أجْل أن الصوم لا يختص بشخص معيَّن، كان رواية، ومن أجل أن الهلال هو لرمضان ذلك العامَ لا لغيره كان شهادة. (٩)

قلت: اعتبار الرواية في هذه الصورة من أجل تعلق الصوم لا بشخص معين، اعتبار بعيد، فإن الإخبار إنما وقع عن رؤية شخص معين، فمحله محل


(٨) علق ابن الشاط على كلام القرافي هنا، فقال: كلامه الأول صحيح مستقل بالتعليل كما في المرأة، بل أولى، والثاني (وهو أن الرق يوجب الحقد والضغائن) محتمل أن يكون تعليلا مستقلا أيضا لعدم قبول شهادة العبد، ويحتمل أن يكون غيرَ مستقل من جهة أن احتمال العداوة لم يثبت علة في عدم قبول الشهادة في الحُرِّ.
ولقائل أن يقول: إن بين الحر والعبد فرقا من جهة أن في الحر مجرد احتمال العداوة، وفي العبد تحقق سبب العداوة، والله أعلم.
(٩) علق الفقيه المحقق ابن الشاط على ما جاء عند الإِمام القرافي في هذه الصورة فقال:
أما قوله: إنه (أي الإخبار عن رؤية هلال رمضان) رواية، فإن أراد أن حكمه حكم الرواية في الاكتفاء فيه بالواحد عند من قال بذلك فصحيح، وإن أراد أنه رواية، حقيقة، فذلك غير صحيح، لأنه لم يتقرر ذلك في إطلاق أحد فيما علمت، وأما قوله: أنه شهادة، فإن أراد أيضا أن حكمه حكم الشهادة عند بعض العلماء في اشتراط العدد فذلك صحيح، وإن أراد أنه شهادة حقيقة، فليس كذلك، لأنه قد تقرر أن لفظ الشهادة إنما يطلق حقيقة، في عرف الفقهاء والأصوليين على الخبر الذى يقصد به أن يترتب عليه حكمٌ وفصل قضاء. ثم زاد ابن الشاط رحمه الله فقال في هذا:
قلت: والذي يَقوى في النظر أن مسألة الهلال حكمها حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد، وليست رواية حقيقة، ولا شهادة أيضا، وإنما هى من نوع آخر من أنواع الخبر، وهو الخبر عن وجود سبب من أسباب الأحكام الشرعية. ولا شك أنه لا يتطرق إليه من الاحتمال الوجب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>