للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طرداً لذلك الاحتمال، فإن بإجماعهما يغلب ظن الصدق وبُعْدُ الكذب، وليس في الرواية ما يثير العداوة، فلم يحتج إلى العددِ فيها.

والذكورية اشترطت، لأن الإلزام سلطة وقهر واستيلاء، تأبَى النفوس الْأبية من ذلك، وإبايتها عنها من النساء أشَدُّ، لنقصانهن، فخفف ذلك عن النفوس برفع الْأنوثة. وأيضا فهن ناقصات عقل ودين، فناسب (٣) ألّا يُنصَبْنَ نصبا عاما، بل في موضع الضرورة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "أما نقصان عقلكن فشهادة رجل واحد تعدل شهادة امرأتين" (٤)، والرواية بخلاف ذلك، لِأن الأمور العامة تتسلى فيها النفوس بعضها ببعض، فخفّ الألم، وتقع المشاركة غالبا في الرواية، لعموم الكشف والحاجة، فروى (٥) مع المرأة غيرُها، فيقِل احتمال الغلط، (٦) ويطول الزمان في الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة، فيظهر مع طول السنين خلل إن كان، بخلاف الشهادة تنقضى بانقضاء زمانها، ولا يُتَّهَم أحد في عداوة جميع الخلق، فيكتفى بالواحد فيها. (٧)


(٣) في نسخة ح: فناسبن .. وعبارة القرافي: "فناسب ألا ينصبن نصبا عاما في موارد الشهادات، لئلا يعمَّ ضرَرُهَنَّ".
(٤) إشارة إلى جزء من حديث مطول صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ, فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ (أي فصيحة بليغة): وَمَا لَنَا يا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ (أي الخصام والشتم والطعن والكلام فى الناس)، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ (أي تنكرن خير الزوج)، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ, قَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: "أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ, فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ (أي بسبب الحيض) فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ".
وفي هذا الحديث إشارة إلي الآية الكريمة ٢٨٢ من سورة البقرة، وفى قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}.
(٥) في نسخة ح، ونسخة أخرى: "فيروى مع المرأة غيرها (بصيغة المضارعة).
(٦) في نسخة ح: اللفظ، والصواب كلمة الغلط، وهو ما في نسخة ع، وغيرها، ويقتضيه المعنى وهو كذلك ما عند القرافي حيث قال: فيبعد احتمال الغلط.
(٧) قال ابن الشاط هنا: هذا صحيح، وهو الفرق بين الشهادة والرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>