للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا من أبْعدِ شيء، بل الظاهر بالصريح ما يدل على القصد نصّاً، والكناية ما يدل على القصد من الظهار لا كذلك، كما الأمر في الطلاق.

ونقل شهاب الدين أقوالا للفقهاء، هي تدل بظاهرها على أن الظهار كالطلاق إنشاء وليس خبراً من الأخبار، وتكلم على ما نقل، رجاء أن يتحقق له ما ادعاه من أن الظهار خبر لا إنشاء، والظاهر خلاف ما يقول شهاب الدين في هذه المسألة، وقد اعترف بذلك آخر الفصل وقال: لم أر أحدا تعرض لأقاويلهم على هذا الوجه، ويريد بالتأويل، ثم قال: بل ظاهر كلامهم أن الظهار إنشاء كالطلاق، والله أعلم بمرادهم، غير أن الذي تقتضيه القواعد قد أوضحته لك غاية الإِيضاح.

قلت: قد ظهر إيضاحه أنه كلا إيضاح، واستدلاله ضعيف، والله أعلم.

المسألة الثانية: إذا قال لامرأته: أنت طالق ولا نية له، المتبادر إلى الأفهام أنه يلزم الطلاق بالوضع اللغوي، بخلاف الكنايات، وليس كذلك، بل إنما يفيده بالوضع العُرفي، وأصل وضعه لغة في إزالة القيد، كان ذاك القيد أي شيء، لا يتخصص بشيء ما، ثم تخصيص ذلك بإزالة قيد ما، نقل عن ذلك العام إِلى ذلك الخاص بالمجاز إن كان غير قيد العصمة، وبالعرف إن كان قيد العصمة، ولا يلزم أن يكون الناقل شرعا بل الناقل يكون شرعا أو غيره، ولهذا نقول: الحقائق أربعة: الحقيقة اللغوية، والحقيقة الشرعية، والحقيقة العرفية الخاصة، والعامة، فهذه حقيقة عرفية عامة، لأن العرب نقلت هذا النقل، والعرب هي التي جعلت أسماء العقود إنشاءات بعد أن كانت إخبارات (٥١).


(٥١) قال ابن الشاط هنا: لا نسلم له (للقرافي) أن قول القائل لامرأته: أنت طالق، عبارة عن إزالة مطلق القيد، بل الظاهر من اللغة أنه لفظ موضوع فيها لإزالة قيد عصمة النكاح أو للإخبار عن ذلك. وما استدل به من أن لفظ الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد لا يسلَّم أيضاً، وهو دعوى، وذلك هو المسمى عند النحاة بالاشتقاق الكبير، وليس بقوى عند المحققين. وما قاله من أن لفظ أنت طالق، دلالته على إنشاء إزالة قيد العصمة عرفية لغوية، يتجه لرجحان دعوي المجاز على دعوى الاشتراك. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>