للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكذا لم يقبل منه. والبيع يصح بالماضى دون المضارع عكس الشهادة. فلو قال: أبيعك بكذا، أو أبايعك بكذا (٧٤) لم ينعقد. وإنشاء الطلاق يقع بالماضى نحو طلقتك، واسم الفاعل على نحو: أنت طالق ثلاثا، دون المضارع نحو: أطلقك ثلاثا.

وسبب هذا الفرق هو الجرى على العادة في العرف، فإن العرف هو المتبع فى هذا، وإن صار العرف إلى عكس تلك الأشياء تبعناه (٧٥).


(٧٤) في كل من نسخة ع، وح: أبايعك، وكذا في طبعة كتاب الفروق، ويظهر أن هناك تصحيفا للكلمة في المخطوطتين، وكذا في طبعة الكتاب الأصلي، وأن الصواب أنا بائعك (أي بائع لك) بصيغة اسم الفاعل التي هي موضوع الكلام والسياق، حيث ذكر إن الشهادة تصح بالمضارع دون الماضى واسم الفاعل، والبيع يصح بالماضى دون المضارع (أي واسمُ الفاعل كذلك، عكس الشهادة)، ذلك أن اسم الفاعل يدل حقيقة على الحال، كما يدل عليه المضارع المجرد عن الحروف التي تصرفه للاستقبال كالسين وسوف ولن.
أمّا استعمال الفعل أبايع من الفعل بايع الرباعى بمعنى باع، وتبايع فإنه ينشأ عنها لتمثيل بفعل المضارع مرتين، دون ذكر مثال لاسم الفاعل،
(٧٥) عبارة القرافي هنا: وسبب هذه الفروق بين الأبواب، النقل العرفي من الخبر إلى الإنشاء، فأى شيء نقلته العادة لمعنى، صار صريحا في العادة لذلك المعنى بالوضع العرفي، فيعتمد الحاكم عليه لصراحته، ويستغني المفتى عن طلب النية معه لصراحته أيضا، وما لم تنقله العادة لإِنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة اللغوية والعرفية، فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده، وفي الطلاق والعتاق اسم الفاعل والماضى، فإن اتفق وقت آخَرُ تحدث فيه عادة أخرى تقتضى نسخ هذه العادة وتجدُّدَ عادةٍ أخرى اتبعنا الثانية وتركنا الأولى، ويصير الماضي في البيع، والمضارع في الشهادة على ما تجدده العادة، فتأمل ذلك واضبطه. فمن لم يعرف الحقائق العرفية وأحكامها يشكل عليه هذا الفرق، وبهذا التقرير يظهر قول مالك رحمه الله: ما عده الناس بيعا فهو بيع، نظرا إلى أن المدرك هو تجدد العَادَة.
وقد علق الفقيه ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة بقوله: ما قاله القرافي في هذه المسألة من اعتبار معينات الألفاظ مبنى على مذهب من يشترطها كما قال، فيصح تنقل العادات فيها بحسب العرف الحادث كما ذكر، والله أعلم.
ومبحث الفرق بين كلمات العادة والعرف والعمل ودلالتها بشيء من الدقة والتوسع يرجع فيه إلى كتب أصول الفقه، خاصة منها كتب مقاصد الشريعة الإسلامية، وكذا الدراسات المختصة بهذا الموضوع كأطروحة الأستاذ الدكتور عمر الجيدي في موضوع العرف والعمل في المذهب المالكي، وغيره من المؤلفات قديما وحديثا في هذا المجال المتعلق بالعرف والعادة والعمل على اختلاف أقاليمه ومناحيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>