للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين رحمه الله:

وبعض الناس قاس لزوم الطلاق على لزوم الكفر بالكلام النفسى، قال: وهو غلط، لأن الكفر لا يقع بالِإنشاء، إنما يقع بالإِخبار والاعتقاد، وكذلك الإِيمان والاعتقاد من باب المعلوم والمظنون لا من باب الكلام، وهما بابان مختلفان، فلا يقاس أحدهُما على الآخَرِ.

قال: ومِن وجه آخر أن الصحيح أن الإيمان لا يكفى فيه مجرد الاعتقاد، بل لا بد من النطق باللسان، فينعكس على هذا، ويقال له: لا بد من النطق باللسان كما الأمر في الإِيمان إن سُلِّمَ أن الباب واحد (٧٢).

المسألة السادسة: في الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء (٧٣).

الواقع اليوم أن الشهادة تصح بالمضارع دون الماضى واسم الفاعل، فيقول الشَّاهِدُ: أشهد بكذا عندك أيدك الله. ولو قال: شهدت بكذا أو أنا شاهد


(٧٢) كلام القرافي هنا رحمه الله يزيد القارئ وضوحا وبيانا أكثر، وهو قوله: ومن وجه آخر هو أن الصحيح في الإيمان لا يكفى فيه مجرد الاعتقاد، بل لا بد من النطق باللسان مع الإمكان، على مشهور مذاهب العلماء كما حكاه القاضى عياض في الشفا وغيره، فينعكس هذا القياس على قائسه على هذا التقرير، ويقول: وجب أن يفتقر (أي الطلاق بالكلام النفسى) إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى إن سُلِّم له أن البابين واحد، فكيف وهما مختلفان، والقياس إنما يجري في المتماثلات.
وقد علق الفقيه ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة الخامسة وحكايته لاختلاف الأئمة والعلماء في الطلاق، واستحسانه لعبارة بن الجلاب، القائلة بأن من نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم، ثم بدا له العدول عنه، لا يلزمه طلاق إجماعا، قال ابن الشاط:
ما قاله القرافي في هذه المسألة إلى آخرها صحيح ظاهر.
أقول: وفي مسألة الإيمان والجمع فيه بين الاعتقاد بالجَنَانِ، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح والأركان، تحضرنا عبارة الشيخ ابن أبي زيد القيروانى رحمه الله حين قال في الباب الأول المتعلق بالتوحيد من رسالته الفقهية الشهيرة: "وأن الإيمان قولٌ باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصانها، فيكون فيها النقص وبها الزيادة، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل، ولا عمل وقول إلا بالنية".
(٧٣) هذا الفرق ورد ذكره عند الإِمام القرافي في هذه المسألة: جـ ١ ص ٥٣ من كتاب الفروق. الطبعة الأولى ١٣٤٤ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>