"واختلف بماذا يلزم (أي الطلاق المطلَق) على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يلزم بمجرد النية دون القول، وهي رواية أشهب عن مالك في كتاب الأيمان بالطلاق. والثاني أنه يلزم بمجرد القول دون نية. والثالث أنه لا يلزم إلا باجتماع القول والنية، وهذا فيما بينه وبين الله، وأما في الحكم الظاهر فلا اختلاف بين أهل العلم أن الرجل يحكم عليه بما أظهر من صريح القول أو كناياته، ولا يُصَدَّق أنه لم ينوه ولا أراده إن ادعى ذلك على مذهب من يرى أن الطلاق لا يلزم بمجرد القول حتى تقترن به النية. وأما أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الحفيد، فقال في كتابه القيم: بداية المجتهد ونهاية المقتصد عن هذه المسألة ما نصه: قال في معرض كلامه عمن قال لزوجته: أنت طالق، وادعى أنه أراد بذلك أكثر من واحدة: اثنتين أو ثلاثا: فقال مالك: هو ما نوى وقد لزمه، وبه قال الشافعى، إلا أن يقيد فيقول: طلقة واحدة، وهذا القول هو المختار عند أصحابه. وأما أبو حنيفة فقال: لا يقع ثلاثا بلفظ الطلاق، لأن العدد لا يتضمنه لفظ الأفراد لا كناية ولا تصريحا، إلى أن قال (أي ابن رشد): وهذه المسألة اختلفوا فيها، وهي من مسائل شروط ألفاظ الطلاق، أعني اشتراط النية مع اللفظ أو بانفراد أحدِهما. فالمشهور عن مالك أن الطلاق لا يقع إلا باللفظ والنية، وبه قال أبو حنيفة. وروى عنه أنه يقع باللفظ دون النية، وعند الشافعي أن لفظ الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية، فمن اكتفى بالنية احتج بقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " ومَنْ لَمْ يعتبِرْ النية دون اللفظ احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسُها" والنية دون قول، حديث نفس، قال: وليس يلزم من اشتراط النية في العمل فى الحديث المتقدم أن تكون النية كافية بنفسها.