للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين: ويدل على هذا أن الله تعالى أنشأ السببية في زوال الشمس لوجوب الصلاة، وأنشأ الأحكام، ثم أنزل القرآن دالا على ذلك ومترجما عليه (٦٧)، وفرض القرافي سؤالين:

أحدهما: كيف يتصور إنشاء الأحكام في الأزل ولا محكوم عليه؟

والثاني: كيف يتصور الإِنشاء سابقا من غير طروّ على خبر؟ فقال:

يتصور الإِنشاء للإيجاب على نوع ما يوجب الوالد على ولده الذي هو في البطن إذا كان لم يوجد، واشتراط الطرو على الخبر، ذلك في الإِنشاء الكائن في الألفاظ لا في الكائن في (٦٨) الكلام النفساني، وقال: ولا يصح أن تكون أخبارا، فإن من أطاعها أثِيبَ، ومن خالفها عوقب، لأنها لا تقبل صدقا ولا كذبا لذاتها. وأيضاً فكان يلزم الخلف لوقوع العفو عن العصاة، وأيضاً، فلو كانت أخبارا عن إرادته تعالى لوجب نفوذ مقتضاها. وذلك لا يصح، للإجماع على العفو (٦٩).

قلت: مما يرد على شهاب الدين أن خاصية الإنشاء هو ما يترتب (٧٠) عليه حكم من الأحكام، ولا شيء يترتب على الكلام النفساني من الأحكام،


(٦٧) عبارة القرافي أكثر ظهورا ووضوحا حيث قال:
الصورة الأولى الدالة على أن الإنشاء كما يكون بالكلام اللساني يكون بالكلام النفساني، أنَّ الله سبحانه وتعالى أنشأ السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر، وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام بذاته من هذا الإنشاء بقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، فإن الكتب المنزلة هي عندنا أدلة الأحكام لا نفس الأحكام، وإلا يلزم اتحاد الدليل والمدلول، وقس على ذلك جميع الأسباب الشرعية، وكذلك القول في الشروط كالحول في الزكاة، والطهارة في الصلاة، وكذلك الموانع الشرعية كالكفر مانع من الميراث، والحدث من الصلاة، وغير ذلك من الموانع، وما ورد من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو أدلة على ما قام بذات الله تعالى.
الصورة الثانية: الأحكام الشرعية الخمسة وهي: الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة، كلها قائمة بذات الله تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة، وغير ذلك من أدلة الشرع إنما هي أدلة على ما قام بذات الله تعالى من ذلك.
(٦٨) في نسخة خ: عن الكلام.
(٦٩) قال ابن الشاط هنا: ما قاله القرافي في ذلك صحيح.
(٧٠) في نسخة ح: ما يترتب بصيغة المضارع، وهى متناسبة مع ما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>