للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها أن المعرفة (٦٢) بأن الألفاظ المذكورة هي في اللغة للإخبار، وما دلت على الإنشاء إلا بالنقل، وهي مما ندركه (٦٣) إدراكا بينا. وأيضا لا يمكن أن يكون مدركهم القياس، فإنا نعلم ما يتعلق بالقياس من شرائطه وغيرها، وعلمنا بذلك يدفع ادعاء القياس. وأيضاً فالإمام أبو عبد الله المازرى ممن له الإمامة في العلوم والمشاركة، وقد تقدم ما قاله في هذه المسألة من القواعد، وأشار إلى ما قلناه من أن سبب الخلاف فيها راجع إلى العوائد، وأيضا فالناظر في المسائل الفقهية نظر تحقيق، ما يعرف أنه وجَد فيها مدرَكا مناسبا إلا العوائد، والخروج عنها التزام للجهالة من غير معنى مناسب (٦٤).

المسألة الرابعة: إعلم أن الإنشاء كما يكون بالكلام اللسانى، كذلك يكون بالكلام النفسانى (٦٥). وبيانه أن نقول: أن الألفاظ تابعة لما في النفس، فالذي يصدر منه الإنشاء باللفظ ما صدر منه إلا بعد تصور الإنشاء بباطنه، فإذا لم يكن فكيف يقع الكلام اللساني ترجمانا لما في النفس حتى تنتقل الأملاك عن طيب نفس (٦٦) الذي لا يصح بغير طيب النفس.


(٦٢) في نسخة ح: أن العرف.
(٦٣) في نسخة ح: مما يدركه (بالياء)، فيكون الضمير عائدا على الإِمام مالك أو المفتى في هذه المسائل، ويمكن أن يكون بصيغة الجمع (يدركونه) فيكون الضمير عائدا على مجموع الفقهاء المفتين في هذه المسائل على مقتضى مذهب الإِمام مالك، وصيغة الجمع تتناسب مع العبارة الآتية بعدها وهى: "وأيضا لا يمكن أن يكون مدركهم القياس .. "
(٦٤) قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان في مجال المعاملات، قاعدة مقررة عند علماء الفقه والأصول، وقد توسع فيها وفي الحديث عنها أحد الأئمة والفقهاء الأعلام الحافظ الحجة ابن قيم الجوزية رحمه الله، وذلك في الجزء الأول من كتابه الشهير والذائع الصيت مشرقا ومغربا، أعلام الموقعين. فليرجع إليه من يرغب في التوسع في ذلك حتى يكون على بينة وبصيرة من أمره في هذه المسألة، وكذا في مسائل الفقه المتعلقة بهذا الموضوع وفي الفتوى في الدين.
(٦٥) ومنه البيت القائل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعِلَ اللسانُ على الفؤاد دليلا
(٦٦) هكذا في النسختين، ولعل في الكلام حذفا، تقديره هكذا:
ذلك النقل أو الانتقال الذي لا يصح بغير طيب النفس، ذلك أن كلمة طيب نفس، نكرة، واسم الموصول الذي معرفة، ومطابقة الصفة للموصوف في التعريف والتنكير، من القواعد النحوية المشهورة، فكان ذلك هو الباعث على ذلك التقدير، فلينظر وليتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>