للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: سبب اختلافهم، اختلافهم في وقوع النقل العرفي، هل وجد فيتّبع، أو لم يوجد فيتبع موجِب اللغة؟ وإذا وجد النقل فهل في أصل الطلاق فقط، أو فيه مع البينونة، أو مع العدد، لما تقدم تقريره، وإذا لم يوجد نقل عرفي ونُفىَ موجب اللغة، فهل نلاحظ نصوصا (٦٠) اقتضت حكما في مثل هذه، وتقاس هذه عليها أم لا؟ (٦١)

فإن قلت: فلعل مدرك مالك نصّ أو قياس، فتستمر فتاويه في جميع الأعصار والأمصار، ولا تتغير بتغير العوائد، وعلى هذا يكون المفتى بالمنقول في الكتب قال صوابا لا خطأ، ولم يجتمع مع مالك حتى يسأله عما في نفسه، ومع الاحتمالين لا تتعين التخطئة، ويجب اتباع موجِب المنقولات عن الأئمة من غير اعتراض، لأننا مقلدون لهم لا معترضون عليهم. قلت: الجواب عن هذا السؤال من وجوه:


= "ومن الأغوار التي لم ينتبه إليها الإِمام أبو عبد الله المازري أن المفتي إذا جاءه رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ، وعُرْفُ بلد المفتى في هذه الألفاظ الطلاق الثلاث أو غيره من الأحكام، لا يفتيه بحكِم بلده، بل يسأله: هل هو من أهل بلد المفتى فيفتيه حينئذ بحكم ذلك البلد، أو هو من بلد آخر، فيسأله حينئذ عن المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به، ويحرم عليه أن يفتيه بحكم بلده، كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على الحاكم أن يلزم المشتري بسكة بلده، بل بسكة المشتري إن اختلفت السكتان، فهذه قاعدة لا بد من ملاحظتها. وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين، فإنهم يجرون المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار، وذلك خلاف الإجماع. وهم عصاة آثمون عند الله تعالى، غير معذورين بالجهل، لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها. ولا عالمين بمدارك الفتوى وشروطها واختلاف أحوالها.
فالحق أن هذه الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا الوضع اللغوي، وانها كنايات خفية لا يلزم بها طلاق ولا غيره إلا بالنية، وإن لم تكن له نية لم يلزمه شيء حتى يحصل فيها نقل عرفي كما تقدم بيانه، فيجب اتباع ذلك النقل على حسب ما نقل اللفظ إليه من بينونة أو عدد أو غير ذلك، فهذا هو دين الله الحق الصريح، والفقه الصريح اهـ.
وقد رأيت أن أنقل هذا الكلام للقرافي، من كتاب الفروق على ما فيه من طول لأهميته ودقته، ولكن ما قاله في الألفاظ المستعملة في الكنايات الصريحة للطلاق، جاء على خلاف ما هو عِندَ جل الفقهاء في كتبهم دون تبيين وتفصيل في ذلك. فليتأمل، والله أعلم الحقِّ والصواب.
(٦٠) في نسخة ح: فهل يلاحظ نصوص (بالبناء للمجهول).
(٦١) هذا التساؤل وأجوبته من كلام القرافي في هذا الموضوع، ليست من كلام البقوري، وإنما هو ناقل لذلك وملخص له.
وقد علق عليه ابن الشاط بقوله: سبق القول في ذلك، وأن المعتبر العرف الوقتي إن كان، وإلا فالشرعي، وإلا فاللغوي، وإلا فالأصلي، فإن أراد ذلك فما قاله صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>