للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتلك الأحكام (٥٩)، كما نقول في النقود وغيرها، حيث نقضي بالسكة التي وقع التعامل بها في ذلك الوقت، وكذلك نفقات الزوجات تختلف بحسب العوائد.

وبالجملة، أشياء كثيرة يُقضَى فيها بحسب العوائد، فوجب أن تكون الفتوى متغيرة بحسب العادة، وإلا كان ذلك غلطا بينا بإحماع.

فعلى هذا، فالحق أن أكثر هذه الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا الوضع اللغوي، وكانت حقيقة لا يلزم بها طلاق ولا غيره إلا بالنية، وإن لم تكن له نية لم يلزمه شيء حتى يحصل فيها نقل عرفي، ذلك النقل العرفي ثابت في ذلك الزمان، يوجب بها ذلك الطلاق، أي نوع كان، فيتبع على ما هو عليه.

فإن قلت: ما ذكرته من الحق يتعين اتباعه، فما سبب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في هذه الألفاظ، ومن بعدهم من العلماء؟


(٥٩) عبارة القرافي رحمه الله أتم وأكمل، وهي: إذا وجدنا زماننا عريا عن ذلك وجب علينا ألا نفتى بتلك الأحكام في هذه الألفاظِ، لأن انتقال العوائد يوجب انتقال الأحكام، كما نقول في النقود وغيرها.
وقد انتهى الإِمام القرافي في كلامه هنا إلى مراعاة العوائد في الفتوى، وأنه متى تغيرت العادة في المسألة تغير الحكم بإجماع المسلمين، وحرمت الفتيا بالأول. قال: "وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه المالكية وغيرهم من الفقهاء، من الفتيا في هذه الألفاظ (أي ألفاظ الكناية الظاهرة مثل حبلك على غاربك، أو أنت برية أو خلية الخ) بالطلاق الثلاث هو خلاف الإجماع، وأن من توقف منهم عن ذلك ولم يجر المسطورات في الكتب على ما هي عليه، بل لاحظ تنقل العوائد في ذلك أنه على الصواب، سالم من هذه الورطة العظيمة" اهـ كلام القرافي.
وقد علق الفقيه المحقق قاسم بن الشاط على ذلك بقوله: ما قاله القرافي ظاهر صحيح. والله أعلم.
ثم قال ابن الشاط بعد ذلك: المستعمل لهذه الألفاظ، إن كان استعماله إياها، وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه، وإلا فعلى الشرعي، وإلا فعلى العرفي، وإلا فعلى اللغوي. فإن أفتى الفقيه الوقتي بهذا الترتيب عند وجود العرف الوقتي فهو مصيب، وإن أفتى عند وجود العرف الوقتى باعتبار العرف الشرعى أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلى وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ. انتهى كلام ابن الشاط رحمه الله.
ومما ذكره الامام القرافي هنا، رحمه الله، وزاده توضيحا وبيانا وتفصيلا، واختصره الشيخ البقوري فلم يذكره، وهو كلام مهم ومفيد في هذا الموضوع قول القرافي رحمه الله:

<<  <  ج: ص:  >  >>